وأمّا قوله : إنّ الألف واللام هنا ليست للتعريف ، لأنّ التعريف لا يكون إلّا بين اثنين في ثالث ، والألف واللام هنا في اسم المخاطب ، والصحيح أنّها دخلت بدلا من يا فقول فاسد ، بل الألف واللام هنا لتعريف الحضرة ، كالتعريف في قولك : «جاء هذا الرجل» ولكنّها لمّا دخلت على اسم المخاطب صار الحكم للخطاب من حيث كان قولنا : «يا أيّها الرجل» معناه : يا رجل ، ولمّا كان الرجل هو المخاطب في المعنى غلب حكم الخطاب ، فاكتفي باثنين لأنّ أسماء الخطاب لا يفتقر في تعريفها إلى حضور ثالث ، ألا ترى أنّ قولك : «خرجت يا هذا» و «وانطلقت» و «لقيتك» ، و «وأكرمتك» لا حاجة به إلى ثالث؟ وليس كل وجوه التعريف تقتضي أن يكون بين اثنين في ثالث ، ألا ترى أنّ ضمائر المتكلمين نحو : «أنا خرجت» و «نحن ننطلق» لا يوجب في تعريفها حضور ثالث؟ فقد وضح لك بهذا أنّ قوله : «التعريف لا يكون إلّا بين اثنين في ثالث» كلام ظاهر الفساد ، لأنّه أطلق هذا اللفظ على جميع التعاريف ، فتأمل سدّدك الله الفقرة التي عمي عنها هذا الغبيّ ، عمّا صدرت به حتى خطّأ بجهله الأئمّة المبرزين في علم العربية المتقدمين منهم والمتأخرين ، ومن شواهد إعراب الرجل في قولنا : «يا أيّها الرجل» نعته بالمضاف المرفوع في قولك : «يا أيّها الرجل ذو المال» ، وعلى ذلك أنشدوا : [الرجز]
٤٢٣ ـ يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي
فهذا دليل على إعراب «الرجل» قاطع ، لأنّ الصفة المضافة في باب النداء لا يجوز حملها على لفظ المبني ، ولا تكون إلّا منصوبة أبدا ، كقولك : «يا زيد ذا المال» ، وقد عارضته بهذا الدليل الجليّ الذي تناصرت به الروايات عن النحوي واللغوي ، فزعم أنّه لا يرفع هذه الصفة ، ولا ينشد إلّا «ذا التّنزّي» ، ولا يعتدّ بإجماع النحويين واللغويين على سماع الرفع فيها عن العرب ، فدلّ ذلك على أنّ هذا العديم الحسّ هو المقصود بالنداء في قول القائل : «يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي».
وأمّا قوله : «ولمّا قصدوا تأكيد التنبيه وقدّروا تكرير حرف النداء كرهوا التكرير ، فعوّضوا عن حرف النداء ثانيا ها وثالثا الألف واللام» فهذا من دعاويه الباطلة ، لأنّه زاعم أنّ أصل «يا أيّها الرجل» : يا أيّ يا يا رجل ، فعوّضوا من يا الثانية ها ومن الثالثة الألف واللام ، وليس الأمر على ما قاله وابتدعه من هذا المحال ، ولكن
__________________
٤٢٣ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه (ص ٦٣) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٤٧١) ، والكتاب (٢ / ١٩٣) ، وشرح المفصّل (٦ / ١٣٨) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢١٩) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٨٢٥) ، والمقتضب (٤ / ٢١٨).