العرب كرهوا أن يقولوا : يا الرجل وما أشبه ذلك ، فيولوا حرف النداء الألف واللام ، فأدخلوا أيّ فجعلوها وصلة إلى نداء المعارف بالألف واللام ، وألزموها حرف التنبيه عوضا لها ممّا منعته من الإضافة ، هذا قول النحويين ، فمن تكلّف غيره بغير دليل فهو مبطل ، فلا حاجة بنا إلى أن نقدّر أنّ الأصل : يا أيّ يا يا رجل ، فإنّه مع مخالفته لقول الجماعة خلف من القول يمجّه السمع وينكره الطبع.
وأمّا قوله في «أكل ويأمل» : إنّهما لا يجوزان عنده لأنّه لم يسمع في الماضي منهما أمل خفيف الميم ، فليت شعري ما الذي سمع من اللغة ووعاه حتى أنكر أن يفوته هذا الحرف؟ وإنما ينكر مثل هذا من أنعم النظر في كتب اللغة كلها ، ووقف على تركيب أم ل في كتاب العين للخليل بن أحمد ، وكتاب الجمهرة لأبي بكر بن دريد والمجمل لأبي الحسين بن فارس وديوان الأدب لأبي إبراهيم الفارابي وكتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري النيسابوري ، وغير ذلك من كتب اللغة ، فإذا وقف على أمّهات كتب هذا العلم التي استوعب كل كتاب منها اللغة أو معظمها فرأى أنّ هذا الحرف قد فات أولئك الأعيان ثم سمع قول كعب بن زهير (١) : [البسيط]
والعفو عند رسول الله مأمول
سلّم لكعب وأذعن له صاغرا قميئا ، فكيف يقول من لم يتولّج سمعه عشرة أسطر من هذه الكتب التي ذكرتها : «لم» أسمع «أمل» ولا أسلم أن يقال : مأمول»؟.
وأمّا قوله : إنه لا يجوز «يأمل» ولا مأمول إلّا أن يسمعني الثقة «أمل» فنقول من لم يعلم بأنّهم قالوا : فقير ولم يقولوا فقر ، ولم يأت فعله إلّا بالزيادة ، أفتراه ينكر أن يقال : فقير ، لأنّ الثقة لم يسمعه فقر؟ فلعله يجحد أن يكونوا قد نطقوا بفقير ، وقد ورد به القرآن في قوله تعالى : (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : ٤٢] ، وهل إنكار فقير إلّا كإنكار مأمول؟ بل إنكار فقير عنده أوجب ، لأنّهم لم يقولوا في ماضيه إلّا افتقر ، ومأمول قد نطقوا بماضيه بغير زيادة.
وأمّا «سوى» فإنّ العرب استعملتها استثناء ، وهي في ذلك منصوبة على الظرف بدلالة أنّ النصب يظهر منها إذا مدّت ، فإذا قلت : «أتاني القوم سواك» فكأنك قلت : أتاني القوم مكانك ، وكذلك : «أخذت سواك رجلا» ، أي : مكانك ، واستدلّ الأخفش على أنّها ظرف بوصلهم الاسم الناقص بها في نحو : «أتاني الذي سواك» ،
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (١٥٠).