والكوفيون يرون استعمالها بمعنى غير ، وأقول : إدخال الجار عليها في قول الأعشى (١) : [الطويل]
[تجانف عن جوّ اليمامة ناقتي] |
|
وما قصدت من أهلها لسوائكا |
يخرجها من الظرفية ، وإنما استجازت العرب ذلك فيها تشبيها لها بغير من حيث استعملوها استثناء وعلى تشبيهها بغير ، قال أبو الطيب : [الكامل]
٤٢٤ ـ أرض لها شرف سواها مثلها |
|
لو كان مثلك في سواها يوجد |
رفع «سوى» الأولى بالابتداء ، وخفض الثاني ب في فأخرجها من الظرفية ، فمن خطّأه فقد خطّأ الأعشى في قوله : «لسوائكا» ، ومن خطّأ الأعشى في لغته التي جبل عليها ، وشعره يستشهد به في كتاب الله تعالى ، فقد شهد على نفسه بأنّه مدخول العقل ضارب في غمرة الجهل وليس لهذا المتطاول إلى ما يقصر عنه ذرعه شيء يتعلق به في تخطئة العرب إلّا قول الشاعر : [الطويل]
٤٢٥ ـ حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة |
|
على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا |
فكلّ فاقرة ينزلها بالعربية يزفّ أمامها هذا البيت معارضا به أشعار الفحول من العرب العاربة ، وليس دخول إلّا في هذا البيت خطّأ كما توهّم ، لأن بعض النحويين قدّر في «ينفك» التمام ، ونصب «مناخة» على الحال ، فينفك هاهنا مثل منفكّين في قول الله عزّ وجلّ : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ١] ، فالمعنى ما تنفصل عن جهد ومشقة إلّا في حال إناختها على الخسف ، ورمي البلد القفر بها ، أي : تنتقل من شدّة إلى شدّة.
ومن العجب أنّ هذا الجاهل يقدم على تخطئة سلف النحويين وخلفهم ، وتخطئة الشعراء الجاهليين والمخضرمين والإسلاميين ، فيعترض على أقوال هؤلاء وأشعار هؤلاء بكلام ليس له محصول ، ولا يؤثر عنه أنّه قرأ مصنفا في النحو إلا مقدمة
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (١٥٤).
٤٢٤ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (ص ٥٧) ، وخزانة الأدب (٣ / ٤٣٦).
٤٢٥ ـ الشاهد لذي الرمة في ديوانه (ص ١٤١٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٧٠) ، وخزانة الأدب (٩ / ٢٤٧) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢١٩) ، ولسان العرب (فكك) ، والمحتسب (١ / ٣٢٩) ، وهمع الهوامع (١ / ١٢٠) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ١٤٢) ، والجنى الداني (ص ٥٢١) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢١) ، ومغني اللبيب (١ / ٧٣) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٣٠).