وليس يشك أحد أنّ الغرض في كلتا القراءتين واحد وأنّ الإخبار في الحقيقة إنما هو عن الجواب ، وكذلك قوله تعالى : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ) [الحشر : ١٧] ، قرئ برفع العاقبة ونصبها ، ولا فرق بين الأمرين عند أحد من البصريين والكوفيين ، وكذلك قول الفرزدق : [الطويل]
٤٣٠ ـ لقد شهدت قيس فما كان نصرها |
|
قتيبة إلّا عضّها بالأباهم |
ينشد برفع النصر ونصب العضّ ، وبرفع العضّ ونصب النصر ، والفائدة في الأمرين جميعا واحدة ، وكذلك قول الآخر : [الطويل]
٤٣١ ـ وقد علم الأقوام ما كان داؤها |
|
بثهلان إلّا الخزي ممّن يقودها |
ينشد برفع الداء ونصب الخزي وبنصب الداء ورفع الخزي ، والفائدة فيهما جميعا واحدة ، وإنّما تساوى ذلك لأنّ المبتدأ هو الخبر في المعنى ، وممّا يبيّن ذلك بيانا واضحا أنّ القائل إذا قال : «شرّ النّاس الفاسق» أو قال : «الفاسق شرّ النّاس» فقد أفادنا في كلا الحالين فائدة واحدة ، وكذلك إذا قال : «أبوك خير النّاس» ، فائدته كفائدة قوله : «خير النّاس أبوك» ، لا يمكن أحدا أن يجعل بينهما فرقا ، ويشهد لذلك قول زهير : [الوافر]
٤٣٢ ـ وإمّا أن يقولوا قد أبينا |
|
فشرّ مواطن الحسب الإباء |
فهذا البيت أشبه الأشياء ببيت كثير ، وقد جعل زهير «شرّ» هو المبتدأ والإباء هو الخبر ، وإنّما غرضه أن يخبر أنّ الإباء هو شرّ مواطن الحسب ، ولا يجوز لزاعم أن يزعم أنّ الإباء هو المبتدأ وشرّ خبره ، لأنّ الفاء لا يجوز دخولها على خبر المبتدأ ، إلّا أن يتضمّن المبتدأ معنى الشرط ، ألا ترى أنّه لا يجوز : «زيد فقائم» ، وكذلك من رواه «وشرّ مواطن» ، بالواو لأنّ الواو لا تدخل على الأخبار ، لا يجوز : «زيد وقائم» ، وممّا يبيّن لك تساوي الأمر عند النحويين باب الإخبار بالذي وبالألف واللام ، فمن تأمّل قول النحويين فيه رأى ما قلناه نصا ، لأن القائل إذا سأل فقال : أخبرني عن زيد من قولنا : قام زيد فجوابه عند النحويين أجمعين أن يقال : الذي قام زيد ، والقائم زيد ، ألا ترى أنّ المجيب قد جعل زيدا خبرا؟ وإنّما سأل السائل أن يخبر عنه ولم
__________________
٤٣٠ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (ص ٣٣١) ، ولسان العرب (بهم) ، وبلا نسبة في المقتضب (٤ / ٩٠).
٤٣١ ـ الشاهد لمغلس الأسدي في شرح أبيات سيبويه (١ / ٢٧٨) ، وبلا نسبة في الكتاب (١ / ٩١) ، وشرح المفصّل (٧ / ٩٦) ، والمحتسب (٢ / ١١٦).
٤٣٢ ـ الشاهد لزهير في ديوانه (ص ٧٤) ، وبلا نسبة في المخصّص (١٦ / ٢٦).