فلا حجة فيه ، وليس ممّا نحن فيه في شيء ، وإنّما اضطرّ فأنّث لإرادة الصيحة ، واستدلالة أيضا بثلاثة بنين وأربعة رجال ليس من الباب في شيء ، واستدلاله بخامسة خمسة كذلك ، لأن خامسة من باب اسم الفاعل كقائمة وقاعدة ، واسم الفاعل يجري على أصله إن كان لمذكر فهو مذكر وإن كان لمؤنث فهو مؤنث ، فقولك : خامسة خمسة كقولك : ضاربة الرجل.
قال ابن خروف في هذا : إذا كان اسم الفاعل ينبغي أن يجري على أصله فكذلك أحد وإحدى واللّبس الذي كان يدخل في اسم الفاعل لو لم يؤنث هو اللّبس الذي يدخل في إحدى.
قال السهيلي : وأمّا استشهاده بنحو «هزيز الريح» والأبيات التي أنشدها سيبويه فلا حجّة في شيء من ذلك ، وأما قوله : «وإحدى بليّ» وأمثاله لا يحتاج إنّما قصدت أنّه لا يلزم غير وجود إحدى بليّ أن تقول : إحدى المحجورين ، فإنّ بينهما فرقا وهو أنّ المحجورين لا يشتمل على جملة نساء كما يشتمل عليها القبيلة.
وأمّا ردّه عليّ في قوله عليه السّلام : «أحدهما كاذب» فهذيان لأنّي لم أستشهد بالحديث إلّا على تغليب المذكر خاصّة ، وأمّا ردّه المنع من إفراد أحد وإحدى واستشهاده بقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فليست الآية مما نحن فيه ، وأمّا قوله : قد ذهب إلى تحليها دون الذّكور طوائف من الفسّاد فتعقب سخيف ، انتهى.
قال ابن الحاج : وردّ ابن خروف هذه الفصول كلّها بما لا يشفي وأبان أنه لم يفهم عن السهيلي شيئا ، ولم يذكر ابن الحاج الردّ.
مسألة
مناظرة بين ابن خروف والسهيلي
«أكل كلّ ذي ناب من السّباع حرام» (١) قال ابن خروف : للسهيلي في هذا الحديث من سوء التأويل والهذر والافتيات على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما لا خفاء به ، أعاذنا الله مما ابتلي به ، وإنّها لزلّة عظيمة يجب استتابة قائلها ، وذلك أنّه قال : يجوز أن يحمل الحديث على أصل رابع وهو المضارعة ، فإنّ الله تعالى إذا حرّم شيئا حرّمت الشريعة ما يضارعه ، كما حرم ما يضارع الزنا مضارعة قريبة وكره ما يضارعه من بعد ، كالنظرة والقعود في موضع امرأة قامت عنه حتى تزد ، روي ذلك عن عمر رضي الله عنه ، والتلذذ بشم طيب على امرأة ، ونظائر كثيرة ، فلمّا حرّم الله
__________________
(١) أخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٢٥) ، والنسائي في سننه (٢ / ٢٠٠).