هذا آخر ما تحرر لي في هذه الآية الكريمة والله تعالى أعلم بغيبه. انتهى كلام ابن هشام.
رأي نحويّ لابن الصائغ
قال ابن الصائغ في (تذكرته) : تكلم بعض مشايخ العصر وهو الشيخ تقيّ الدين السّبكي بمدرسة الملك المنصور على قوله تعالى في سورة «والذاريات» : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٤ ـ ٥٥] ، ونقل عن المفسرين فيها قولين :
الأوّل : أنّ المعنى : تولّ عن أولئك الكفار وأعرض عنهم فما تلام على ذلك ، وارفع التذكير فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧].
الثاني : أنّ المعنى : تولّ عن الكفار وأعرض عنهم وذكّر المؤمنين فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين ، قال : وعلى القول الثاني يحتمل أن تكون الآية من باب التنازع ، فاعترض على هذا بأنّ شرط باب التنازع إمكان تسلّط العاملين السابقين على المعمول المتنازع فيه ، ولذا لم يجز سيبويه أنّ بيت امرئ القيس من باب التنازع ، أعني قوله : [الطويل]
٤٦٨ ـ [فلو انّ ما أسعى لأدنى معيشة] |
|
كفاني ولم أطلب قليل من المال |
ومن أجاز ذلك فلما ذكره المازني ، ليس هذا موضع ذكره ، أو لما ذكره ابن ملكون وقد ردّ عليه ، وإذا تحرر هذا فالآية لا يمكن أن تحمل على التنازع ، لأنّ «ذكر» لا يمكنه العمل في المؤمنين من جهة الحيلولة بينهما بالفاء وإنّ ، وكلّ منها له صدر الكلام ، وما له صدر الكلام لا يعمل ما قبله فيما بعده ، وقد نقل عن ابن عصفور أنه قال : «كل ما لا يعمل فيما قبله لا يعمل ما قبله فيما بعده» ، فنازع في أنّ الفاء مانعة ، واستند في منعه إلى ما حكي من قولهم : «زيدا فاضرب» ، وقال : «هذه الفاء للسببية كالتي هنا لا فرق بينهما ، إذ المعنى : تنبه فاضرب زيدا».
__________________
٤٦٨ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ٣٩) ، والإنصاف (١ / ٨٤) ، وتذكرة النحاة (ص ٣٣٩) ، وخزانة الأدب (١ / ٣٢٧) ، والدرر (٥ / ٣٢٢) ، وشرح شذور الذهب (ص ٢٩٦) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣٤٢) ، وشرح قطر الندى (ص ١٩٩) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٣٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ١١٠) ، وتاج العروس (لو) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (١ / ٢٠١) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٨٨٠) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٥٦) ، والمقتضب (٤ / ٧٦) ، والمقرّب (١ / ١٦١).