قال ابن جني : سأل بعضهم الشيخ أبا علي عن قولنا : زيد منطلق ، فقال : زيد معرفة ومنطلق نكرة ، والمنطلق هو زيد نفسه ، فكيف صار معرفة ونكرة في حين واحد؟ فأجاب بأنّ العين واحدة والحال مختلفة ، ومعنى هذا أنّ «منطلق» هو زيد عينا ، ولكن فيه بيان حال وإخبار بأمر مجهول غير زيد وهو الانطلاق.
قال ابن جني : قال لنا أبو علي : سقط على فكري البارحة شيء جيد يدل على شدّة اتصال تاء التأنيث بالكلمة ، وهو قولك : دحرجة وبابه ، الاستدلال من ذلك أنّه قد ثبت أنّ المشتق يجب أن يكون لفظه مخالفا للفظ المشتق منه ، لأنّه لو كان مثله ولم يكن مخالفا له كان إيّاه ، ولم يكن أحدهما بأن يجعل أصلا أولى من الآخر ، وقد ثبت أن الفعل مشتق من المصدر ، فيجب أن يكون لفظهما مخالفا ، ولا مخالفة بين دحرج الذي هو فعل ماض مشتق وبين دحرجة إلا بالتاء ، ولو جعلتها منفصلة زال الخلاف بينهما ، فدلّ هذا على شدّة اتصال التاء بها ، وللتاء تأثير في تغيير الكلمة ، ألا ترى أنك تقول : ليس في الكلام مفعل نحو مكرم ، وتجد هذا المثال مع تاء التأنيث نحو المقبرة؟ قال بعض الحاضرين : مضرب مثل ضرب فعبّس وجهه وقال : أتريد تغييرا أكثر من التحريك والتسكين؟
قال ابن جني : سألت أبا علي عن قولنا : إن لم تفعل ، ما العامل في تفعل؟ فقال : لمه؟ فقلت : فإن للشرط والمعنى عليه فما عملها؟ فقال : إنها عاملة في «لم تفعل» كلها بمجموعها ، لأنّ لم تنزّلت منزلة بعض أجزائه ، والدليل على صحة ذلك قول سيبويه (١) : «زيدا لم أضرب» ، وحرف النفي لا يعمل ما بعده فيما قبله ، إلّا أنّ لم تنزلت منزلة بعض الفعل فعمل كما عمل لو لم يكن معه لم ، ولا خلاف ولا إشكال في جواز «إن لم تفعل» ، والجازم لا يدخل على الجازم كما لا يدخل على الناصب ولا الجار على الجار ، إذ الحرف لا يكون وحده معمولا ، ولا بد من هذا التنزيل ، ولكنّ لا علامة لجزم إن في اللفظ ، وإنّما هو مجزوم الموضع بإن.
مسألة لابن مكتوم في تذكرته
قال ابن مكتوم في تذكرته : مسألة : قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز : [البسيط]
٥٠١ ـ الشّمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا |
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ١٩٠).
٥٠١ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٧٣٦) ، وأمالي المرتضى (١ / ٥٢) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٦) ، وشرح شواهد الشافية (ص ٢٦) ، والعقد الفريد (١ / ٩٦) ، ولسان العرب (كسف) و (بكى) ، وبلا نسبة في لسان العرب (شمس).