مسائل جرت بين أبي جعفر بن النحاس وابن ولّاد
وفي (سفر السعادة) أيضا : هذه مسائل جرت بين أبي جعفر النحاس وبين أبي العباس بن ولّاد ، وبعث قولهما إلى ابن بدر ببغداد ومال مع أبي العباس على أبي جعفر ميلا مفرطا وكأنّه قد ارتشي ، وقال لي شيخنا أبو القاسم الشاطبي رحمه الله ، وقد وقفته على هذه المسائل واغتبط بها غاية الاغتباط : أبو جعفر النحاس يسلك في كلامه طريق النجاة ، وأبو العباس له ذكاء وصدق رحمه الله ، وستقف من كلام الرجلين على ما يدلك على صحة ذلك.
المسألة الأولى : ابتدأ أبو جعفر فقال لابن ولّاد : كيف تبني من «رجا يرجو» افعللت وافعليت وافعلوت؟ فقال أبو العباس : أمّا افعليت فارجويت ، وأما افعلوت فارجووت ، وأمّا افعللت فارجووت أيضا.
فقال أبو جعفر : هذا كله خطأ ، أما ارجويت في افعليت فلا يعرف في كلام العرب افعليت ، ولو جاز أن يكون ارجويت افعليت للزم أن تقول في أغزيت : أفعيت ، لأنّ من زعم أنّ الراء من جعفر زائدة لزمه أن يقول : هو فعلر وأن يقول في ضربب فعلب ، ولا يقوله أحد.
قال السخاوي : هذه العبارة في قوله : «لأن من زعم أنّ الراء من جعفر زائدة» ليس بجيدة ، لأنّها توهم أنّ من الناس من يقول ذلك ، وكان الصواب أن يقول : إذ لو زعم زاعم أن الراء من جعفر ، ثم قال : وأمّا ارجووت في افعلوت وافعللت فأعجب في الخطأ من الأول ، لأنّا لا نعلم خلافا بين النحويين أنّ الواو إذا وقعت طرفا فيما جاوز الثلاثة من الفعل أنّها تقلب ياء ، كما قالوا في أفعلت من غزوت : أغزيت ، وفي استفعلت : استغزيت ، والوجه عند أبي جعفر لا يبنى من «رجا» إلّا افعللت ، فيقال ارجويت أرجوي ارجواء فأنا مرجو ، مثل احمررت أحمرّ احمرارا فأنا محمرّ ، إلّا أنّك تفك في ارجويت أرجوي وتدغم في احمرّ يحمرّ ، وهو كثير في كلام العرب ، نحو ابيضضت واصفررت.
قال محمد بن بدر : إنما قال في افعليت : ارجويت بالياء لأنّها مبدلة من الواو ، والمبدل من الحرف زائد بمعنى البدل والزائد يمثل على لفظه.
قال السخاوي : هذا خطأ لأنّ هذا لو صحّ لقيل في قال وباع وزنه قال.
قال ابن بدر : وأمّا جوابه في افعلوت ارجووت وفي افعللت ارجووت أيضا فإنه تمثيل على الأصل قبل الإعلال ، وسبيل كل ممثل أن يتكلم بالمثال على الأصل ، ثم