ينظر في إعلاله بعد ، فافعللت على الأصل : ارجووت وعلى الإعلال : ارجويت ، ومن قال كينونة فيعلولة ذهب إلى الأصل ، ومن قال فيلولة ذهب إلى اللفظ ، وإذا بنوا مثال عصفور من غزا قالوا : غزووّ ، فالفراء يتركه على هذا ولا يعلّه ، وسيبويه يعله بعد ذلك فيقول : غزويّ ، وقال ابن بدر : وقول أبي جعفر : «لو جاز أن يكون ارجووت افعليت» إلى قوله : «لا يقوله أحد» فغثّ لا معنى له ولا للإتيان به وجه.
قال السخاوي : قول ابن بدر في ارجويت : إنه تمثيل على الأصل غير ، لأن ذلك لم ينطق به في الأصل كما نطق بكيّنونة ، كما قال (١) : [الرجز]
يا ليت أنّا ضمّنا سفينه |
|
حتّى يعود الوصل كيّنونه |
وإنما يمثّل بالأصل ما لا يصح تمثيله على اللفظ ، كقولك في عدة : إنه فعلة ، ولا تقول : علة وفي غد إنّه فعل ، ولا تقول : هو فع ، ثم إنه لم يسأل عن تمثيل الأصل ، وإنما سأل عمّا يصحّ أن ينطق به ، فما له اقتصر على تمثيل الأصل وترك ما ينبغي أن يقال؟
المسألة الثانية : قال أبو جعفر : سألني هذا الفتى فقال : كيف تقول : ضرب زيد؟ فقلت : ضرب زيد ، فقال : كيف تتعجب من هذا الكلام؟ فقلت : ما أكثر ما ضرب زيد فلم لم تجز التعجب من المفعول بلا زيادة كما جاز التعجب من الفاعل بلا زيادة؟ فقلت : لأن التعجب يكون الفعل فيه لازما ، فإذا قيل : أخرجه إلى باب التعجب فمعناه اجعل الفاعل مفعولا ، كما تقول : قام زيد ، ثم تقول : ما أقوم زيدا ، فمعناه على مذهب الخليل : شيء أقوم زيدا ، فإذا جئنا إلى ما لم يسمّ فاعله لم يجز أن نتعجب منه حتى نزيد في الكلام ، لأنه لا فاعل فيه ، فقال : ليس يخلو المتعجب منه في حال الزيادة من أن يكون فاعلا في الأصل أو مفعولا ، فإن كان مفعولا في الأصل فقد نقضت قولك بأنّا لا نتعجب إلّا من الفاعل ، وإن كان فاعلا فقد لزمك أن تتعجب منه على ما قدّمت من القول بلا زيادة ، فقلت : ألزمتني ما لم أقلّ ، لأنّه قال : إن كان مفعولا في الأصل فقد نقضت قولك ، وإلا فقد قلت : إني لا أتعجب منه إلا على كلام آخر ، فكيف تلزمني أن أتعجب منه؟ فقال : أما قولك : إني ألزمتك ما لا يلزمك فدعوى لا بيّنة معها.
وأما قولك : إني لا أتعجب منه بزيادة فليس يخلو تعجّبك من أن يكون واقعا عليه في نفسه أو على الزيادة ، فإن كان واقعا عليه فقد لزمك ما ألزمتك ، وإن كان واقعا على الزيادة فقد تعجبت ممّا لم أسألك عن التعجب منه ، فإن قلت : إنّي إنّما
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٤٣٧).