من الثلاثي أو ممّا يكون أصله الثلاثي وزيد عليه ، مثل أعطى وشبهه وأيضا فإنّه لا يعرف في الألوان فعل ثلاثي ، فكيف يستثنى ما لم يعرف في الكلام؟ وأمّا ما كان خلقة وهو ثلاثي فلم يترك التعجب منه عند الأخفش ، إلّا أن أصله أكثر من الثلاثي ، وذلك عور وحول ، والأصل عنده : اعورّ واحولّ واعوارّ واحوالّ ، فلما رأيناه ثلاثيا ولم ندر ما أصله استثنيناه من الثلاثي ، ولو كان من الثلاثي لما قيل : عور ولا حول ، ولكن يقال : عار وحال ، فتنقلب الواو ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها ، وقولهم : عور وحول يدلّ على أنّ أصله اعوارّ واحوالّ واعورّ واحولّ ، والذي نقول في هذا : إنه لم يتعجب منه وهو ثلاثي لا يعرف أصله ، وهذا القول مشهور من قول الأخفش.
قال : أما قولك : إنه استثنى اللون والخلقة من الثلاثي إنه من أعجب العجب ، فليس ذلك بعجب ، لأني إنما استثنيت ذلك من الثلاثي لأنه قد يأتي شيء بمعنى الخلقة يكون فعله ثلاثيا ، كقولك : عور الرجل ، فاستثنيت ذلك لهذه العلة.
وأما قولك : «انطلق زيد لا يجوز أن يتعجب منه» فهذا نقض لما قدمته ، وذلك أنّك ذكرت أن الفاعل يتعجب منه ، وجعلت ذلك علة التعجب منه ، وهو أنه فاعل ، وجعلت علة الامتناع من التعجب أن يكون مفعولا ، فقد لزمك أن تتعجب من زيد في قولك : انطلق زيد ، قلت : قوله : «إنما استثنيت من الثلاثي لأنّه قد يأتي شيء بمعنى الخلقة يكون فعله ثلاثيا كقولك : عور الرجل» يدلّ على أنّه لا يدري ما أصل عور ، وقد بيّنا أنّ أصله عند النحويين اعورّ واعوارّ ، وإنكاره منعنا أن نتعجب من «انطلق زيد» فهذا شيء قد أجمع النحويون على منعه إلّا بزيادة ، فما معنى إنكاره ما أجمع النحويون عليه؟
وأما قولك : إنك ذكرت أن الفاعل يتعجب منه وجعلت ذلك علة للتعجب منه وهو أنّه فاعل فنحن لم نقل : إنا تعجّبنا منه لأنّه فاعل ، وإنما قلنا : إنه لا يتعجب من المفعول وبيّنا لم ذلك ، وأمّا الفاعل فإنّه يتعجب منه في أكثر المواضع ، وإنما منع الفاعل في قولك : انطلق زيد أن يتعجب منه لأنّ الفعل قد جاوز ثلاثة أحرف ، فلا يجوز أن ينقل إلّا بزيادة ، نحو قولك : ما أكثر انطلاق زيد وما أشبهه.
قال محمد بن بدر النحوي : أعطى أبو جعفر علة قياسية في التعجب فقال : إنما معنى التعجّب أن أجعل الفاعل مفعولا ، ونحن نجعل الفاعل مفعولا ثم لا يكون تعجبا ، نحو : أقمته وأجلسته ، ونجد معنى التعجب والفاعل موجود ، كقولنا : جلّ الله وعزّ الله على معنى : ما أجلّ الله وما أعزّه ، لا على معنى الخبر بأنه صار جليلا ولا بأنه صار عزيزا ، وهكذا عظم شأنك وعلت منزلتك إذا لم ترد الخبر ، قال الله تعالى :