حسن الحال في نفسه وأهله وماله ، وفرس سارّ ، أي : حسن الحال في جسمه ولحمه ، وضيعة سارّة بمعنى آهلة عامرة ، فيكون سارّ بمعنى قولك : ذو سرور ، ثم يتعجب منه على هذا ، كما قالوا : عيشه راضية أي : ذات رضى ، ورجل طاعم كاس أي : ذو طعام وكسوة ، فيكون «ما أسرني» جاريا على ما قدّمنا غير خارج عمّا رتبنا.
المسألة الثالثة : قال أبو جعفر : كيف تأمر من قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) [مريم : ٧٩] ومن قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) [البقرة : ٢٥٥]؟ فقال أبو العباس : هاتان مسألتان ، أمّا «إدّا» فلا يؤمر منه ، لأنّه اسم موضوع للدّاهية والأمر العظيم ، قال أبو جعفر : فقد قالت العرب : أدّ يؤدّ فنطقت بالفعل ، ثم صرّفه النحويون فقالوا في الأمر منه : أدّ يا هذا ، بالإدغام والضم والكسر وبالإظهار ، نحو : اودد مثل : اردد ، قال أبو العباس : التصريف فيها دعوى تحتاج إلى برهان ، قال أبو جعفر : لا يحتاج إلى ذلك وقد حكوا لها نظائر من المضاعف ، منها قول أحمد بن يحيى : «تقول : ازرر عليك قميصك وزرّه وزرّه وزرّه ، مثل مدّه ومدّه ومدّه» ، قال أبو العباس : هذه الأشياء لا تصرّف قياسا ، ولا يشبّه بعضها ببعض إلّا بسماع من العرب ، إذ كان هذا لجاز أن نقول : وذر يذر وودع يدع قياسا على قام يقوم وضرب يضرب ، وإنما نصرّف منه ما صرّفت العرب ، ونترك منه ما لم تصرفه العرب اقتداء بها ، قال أبو جعفر : ليس هذا قول أحد من النحويين علمناه ، وذلك أنّه لا يمتنع القياس في شيء من المضاعف على ردّ يردّ ، فنقلو : سنّ يسنّ وأدّ يؤدّ ، كما قلنا ردّ يردّ ، ولو كنا لا ننطق إلا بما نطقت به العرب ولا نقيس على كلامها لبطل أكثر الكلام ، ولا يجوز قياس وذر يذر وودع يدع على المضاعف لأنّه معتل قلّ استعمالهم الماضي فيه لاستثقالهم الواو حتى تبدل ، فيقولون في وحد : احد ، فلمّا استثقلوا الواو وكان «ترك» في معنى ودع ووذر استغنوا عنه بترك وإن كان بعض العرب قد قال : ودع ووذر على القياس فلا معنى لقوله : لجاز أن تقول وذر وودع لأنه قد قيل ، قال أبو العباس : إنّا لم نشبه مضاعفا بمضاعف ، وإنّما أردنا أن نريك أنّ العرب قد تصرّف شيئا وتمنعه في نظيره ، وأمّا قولك : «إن هذا معتل» فليس بالاعتلال منع من أن يبنى له ماض ، مثل وزن يزن ، قال أبو جعفر : هذا الذي ألزمتنيه من أنّي قلت : إنّه لم يبن منه ماض لأنّه معتل غير لازم ، وكلامي يبين خلاف هذا لأني قلت : لم يبن منه ماض لعلة ، فكيف ألزم أنّي اعتللت بأنه لم يقع منه ماض لأنه معتل؟ قال أبو جعفر : ولم يجب عن المسألة الأخرى وهي : «ولا يؤده» ، والجواب أن يقول : أد يا هذا نظير قلّ لأنّ آد يؤد مثل قال يقول.
قال محمد بن بدر : قول أبي العباس : «لا يجوز أن يؤمر من قوله تعالى :