التي هي موضوعة غير مشتقة ، وكذلك قتال وأكال وضروب لا أفعال لها ، وهكذا سلهب وجعشم وعكروت وما أشبهه ، وهو كثير ، فهذا حقيقة ما ذهب إليه خصمك ، ولا حجة لك فيما حكيته عن ثعلب لأنّا لا نخالفك فيه ، وحكايتك عن النحويين أنّه لا يمتنع شيء من الأسماء من أن نقيسه على ردّ يردّ كذب عليهم ، وقولك : «لو كنا لا ننطق إلّا بما نطقت به العرب ولا نقيس على كلامها لبطل أكثر الكلام» يدل على جهل باللغة لأن من الكلام ما لا يقاس ومنه ما يقاس ، ولو قيل : كيف يؤمر بإدّ أو بكر أو صارورة أو قتال أو ما أشبه ذلك مما ليس بجار على فعل لقلنا : العرب لا تأمر من هذه الأوصاف بلفظ الصفة إلّا أن يكون له فعل منطوق به ، نحو : طل واقصر واسهل واكرم ، لأنهم يقولون : طال وقصر وسهل وكرم ، ولا يأمرون من بكر ولا خود ولا لص ولا إدّ وما أشبهه ، لأنّها لا فعل لها ، فإن آثرنا أن نأمر بشيء منها ألزمناه كان وجعلناه خبرا لها ، فتقول : كن إدّا أو كوني خودا ، وذلك أنّ معنى اضرب كن ضاربا ، فهكذا ينبغي إذا أمرت بهذه الأوصاف ، وكذلك الأسماء يؤمر بها على هذا ، فيقال : كن عليه سيفا وكن له حجرا وكن فيها أسدا ، قال الله تعالى : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) [الإسراء : ٥٠] في الأسماء ، وقال عزّ وجلّ : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١٣٥] وقال عزّ وجلّ : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) [آل عمران : ٧٩] في الأوصاف ، وقال الشاعر : [الطويل]
٥١٨ ـ أحار بن بدر قد وليت ولاية |
|
فكن جرذا فيها تخون وتسرق |
فإن قال : فكيف يؤمر من طريق ما يتكلم عليه أهل اللغة من التصريف من الأبنية قياسا لم يتكلّم به؟ قيل له : إذا تكلّفنا ذلك فإنّ إدّا ليس بعمل ولا داء ولا علة ولا لون ولا خلقة ، وإنما هو خصلة ، وأفعال الخصال لا تكون إلّا على فعل يفعل ، فيكون الفعل من إدّ كالفعل من حلّ فيكون إدّ بكسر الهمزة كقولك : حلّ ، فإن شئت قلت : إدّ بكسر الهمزة والدال ، كقولك حلّ ، وإن شئت قلت : إيدد كما تقول : إحلل وقولك : إدّ كقولك : حلّ ، هذا هو القياس الذي يعمل عليه ، وبالله الثقة.
المسألة الرابعة : سأل أبو العباس فقال : كيف تقول : مررت برجل أسهل خدّ غلام أشدّ سواد طرّة؟ فقال أبو جعفر : في هذه المسألة وجوه أجودها أن تزيد فيها
__________________
٥١٨ ـ الشاهد لأنس بن زنيم في ديوانه (ص ١١٤) ، ولسان العرب (سرق) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٢٩٦) ، وله أو لأنس بن أبي أنيس في الدرر (٣ / ٥٤) ، ولأبي أنيس أو لابن أبي إياس الديلي أو لأبي الأسود الدؤلي في أمالي المرتضى (١ / ٣٨٤) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٢ / ٤٦٩) ، وهمع الهوامع (١ / ١٨٣).