مررت برجل أسهل خدّ غلامه أشدّ سواد طرّته ، فعلى أن أجعل أسهل نعتا لرجل ، بمنزلة سهل ، فأرفع خدّ بأسهل ، وكذا الجملة الثانية» قد أحال فيه ، لأنّه لم يأت لأسهل ولا لأشدّ بالفصل ولا بالمعمول فيه ورفع به الظاهر ، وإنّما سبيله أن يرفع به المضمر لأنّ هذا الوصف الذي للمفاضلة لا يرفع إلّا المضمر لا غير ، ومثّلوه بقولهم : «ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عينه» (١) ، و «ما من أيّام أحبّ إلى الله فيها الصّوم منه في عشر ذي الحجة» (٢) والكلام على الهاء هاهنا كالكلام عليها قبل.
المسألة الخامسة : قال أبو جعفر : كيف تقول : إن سارّا سارّه حديثك كلامك؟ قال أبو العباس : تقديره هذه المسألة : إنّ حديثك سارّ سارّه كلامك ، قال أبو جعفر : هذا التقدير خطأ بإجماع النحويين ، لأنهم قد أجمعوا أنه لا يفرّق بين «إنّ» واسمها إلّا بالظرف أو ما قام مقامه ، فإن قال قائل : إني أقدّم حديثك وأجعله يلي (إنّ) ، قلت : هذا فرار من المسألة ومجيء بمسألة أخرى ، وأيضا فإنّه لم يقدر في جواب تقدير المسألة فيفهم ما بناه عليه من الجواب ، قال : أمّا قوله : إنّ هذا التقدير خطأ فعلى خلاف ما ذكر ، إذ كنّا لم نفرّق بين إنّ وبين اسمها في حال التقدير ، وإنما كان تفريقنا بينهما في حال الإلقاء ، والتقدير صواب ، وأمّا قوله : إنّ هذا التقدير أيضا خطأ فقد أخطأ ، وقد كان يجب أن يبيّن من أيّ وجه كان خطأ ، لأنّ الفائدة في الحجّة لا في الدعوى ، قال : قد بيّنّاه بقولنا : إنّه لا يفرق بين إن وبين اسمها إلا بالظرف أو ما أشبهه.
وجواب هذه المسألة : إنّ سارّا سارّه حديثك كلامك ، والتقدير : إنّ قولا سارّا رجلا سارّه حديثك كلامك ، فسارّا منصوب لأنّه نعت لقول وقول اسم إنّ ، وقولك سارّه نعت لرجل ورجل منصوب بوقوع سار عليه ، وحديثك مرفوع بقولك سارّه وكلامك خبر إنّ.
قال محمد بن بدر : هذا نص ما ذكرته عن خصمك وارتضيته عن قولك : وليس فيما عبت عليه شيء تنكره العلماء ، ولا يعدل عنه الفهماء.
المسألة السادسة : ثم سأل أبو العباس فقال : كيف تقول : «هذه ساعة أنا فرح» بغير تنوين؟ فقال أبو جعفر : أقول : هذه ساعة أنا فرح ، فتكون هذه في موضع رفع بالابتداء ، وقولك ساعة خبره و «أنا فرح» مبتدأ أو خبر في موضع جر ، ويجوز أن
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).
(٢) أخرجه أحمد في مسنده رقم (١٩٦٨) ، و (٣١٣٩).