بناء جمعه على غير بناء واحده المستعمل ، وذلك باطل وأباطيل وحديث وأحاديث وعروض وأعاريض» ولم يختلف أحد من العلماء في أنّ أعاريض وأحاديث واحدها : عروض وحديث من جهة الاستعمال ، كما أنّ قولهم : ليال جمع ليلة من جهة الاستعمال ، وإن كان في التقدير كأنّه جمع ليلاء ، ولو قلت : إنّ العرب قد تأتي بجموع لم تنطق بواحدها الذي يجب من جهة القياس لكنت قد سلمت في قولك من الوهم والإلباس ، ثم أسألك أولا : ما معنى قولك في صدر مسألتك : «فأوّل ذلك أن تعلم أن نهوشا واحد قد جمع على نهاوش»؟ فإنّه كلام لم يستعمله من أهل الجهل والغباوة إلّا من ختم الله على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة.
المسألة الثالثة : قال أبو نزار : روى سيبويه في كتابه عن العرب أنّهم قالوا : ليس الطّيب إلّا المسك (١) ، برفع المسك ، والقياس نصبه لأنه خبر ليس ، و «ليس» لا يبطل عملها بنقض النفي ، إلّا أن سيبويه والسيرافي تخبّطا في هذا وما أتيا بطائل ، فأوّل ذلك أن سيبويه قال : لغة في ليس ، إنها لا تعمل وإنّها مثل ما في لغة بني تميم ، وهذا لا يعرف ، فقد أخطأ سيبويه ، ثم قال السيرافي : «والصحيح أنّ اسمها الشأن والحديث في موضع رفع ، والطيب مبتدأ والمسك خبره» ، وقيل له : هذا باطل ، فإنّ إلّا الناقضة خبر ، إذ قد جاءت بين المبتدأ والخبر في الجملة الإثباتية ، واعتذر السيرافي بأن قال : «إلا أنّها على الجملة قد تقدّمها نفي» ، وهذا كله متهافت ، والذي صحّ أنّ قولهم : ليس الطيب ، ليس واسمها وإلّا ناقضة للنفي والمسك مبتدأ وخبره محذوف وتقديره : ليس الطّيب إلّا المسك أفخره ، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع النصب لأنّها خبر ليس وفيه وجه آخر وهو أن تكون إلّا بمعنى غير ، وذلك وجه في إلّا معروف ، والتقدير : ليس الطيب غير المسك مفضلا أو مرغوبا فيه ، أو ما شابه ذلك فاعرفه.
فصل في الردّ عليه : أيّها المتعالي المتعالم والمتعاطي المتعاظم قد نسبت سيبويه والسيرافي إلى أنّهما تخبّطا في هذه المسألة ولم يأتيا بطائل ، وقلت حكاية عنهما ، فأوّل ذلك أنّ سيبويه قال لغة في (ليس) : إنّها لا تعمل ، وإنّها مثل ما في لغة بني تميم ، وهذا لا يعرف ، وكان تخبّطك فيما عنه نقلته وإليه نسبته بما أسقطته من كلامه وزدته ، وهو عين التخبّط الحقيقي ، والذي ذكره سيبويه على فصّه ومنقولا عن نصه هو : «وقد زعم بعضهم أنّ (ليس) تجعل كما وذلك قليل لا يكاد يعرف ، فهذا يجوز أن يكون منه : ليس خلق الله أشعر منه ، وليس قالها زيد ، وقول حميد الأرقط : [البسيط]
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ٢٠١).