مرغوبا فيه ، ولو وجّهت أيها المتعسف هذه المسألة على ما وجّهه النحويون لأرحت واسترحت ، وهو أن تجعل الطيب اسم ليس وإلّا المسك بدلا منه ، والخبر محذوفا ، وتقديره ليس في الدنيا الطيب إلا المسك ، وعلى ذلك حملوا قول الشاعر : [الكامل]
٥٢٢ ـ لهفي عليك للهفة من خائف |
|
يبغي جوارك حين ليس مجير |
يريد : حين ليس في الدنيا مجير ، وقد أجاز أبو علي أن تكون اللام في الطيب زائدة على حدّ زيادتها في قولهم : ادخلوا الأوّل فالأوّل ، فيصير التقدير : ليس طيب إلا المسك ، على تأويل ليس في الوجود طيب إلّا المسك ، أي أنّ كل طيب غير المسك فليس بطيب على طريق المبالغة في وصف المسك ، وبالجملة فإنّ هذا القول الذي ذهب إليه النحويون لا يصح بما حكاه سيبويه من قولهم : وما كان الطيب إلا المسك على ما قدمت ذكره ، وليس ذلك لغتين ، فيقال : إنّ «ليس الطّيب إلا المسك» لغة قوم ، و «ما كان الطيب إلا المسك» لغة قوم آخرين ، بل القوم الذين يقولون : ليس الطيب إلا المسك ، فيرفعون ، هم القائلون : ما كان الطيب إلا المسك ، فينصبون على ما حكاه سيبويه ، وبهذا السبب توقف عن حمل (ليس) في لغتهم على أنّ فيها إضمارا ، وهذه اللغة ليست هي المشهورة ، وليس الشاذ النادر الخارج عن القياس يوجب إبطال الأصول.
المسألة الرابعة : قال أبو نزار : قال الله عزّ وجلّ : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) [النساء : ١٢] ، وقد ذكر في نصب كلالة أشياء كلّها فاسدة ، وخلط ابن قتيبة غاية التخليط ، والذي يقال : إنّ الكلالة قد فسّرت بتركة ليس فيها ولد ، لا جرم أنّ الإعراب ينطبق على هذا ، فإن المعتاد أنّ الإنسان إنما يدأب ليترك لولده بعد موته ، فإذا حضر الموت ولا ولد له ظهر تعبه ، فقوله : يورث يقدر بعده كالّا وكلالة ، فإنّ كلّ قد جاء بمعنى تعب ، والمعنى يورث في حال ظهور تعبه وكلاله ، وكلال مصدر كلّ ، وقد قال سيبويه : إنّ تاء التأنيث تدخل على المصدر المجردة وذوات الزوائد دخولا مطردا ، فهي تدل على المرة الواحدة ، فنصب كلالة لأنّه مصدر منقلب عن حال ، وما أكثر ذلك في كلامهم ، ومنه : أرسلها العراك فقال الرادّ عليه :
__________________
٥٢٢ ـ الشاهد للشمردل بن عبد الله الليثي في شرح التصريح (١ / ٢٠٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٢٧) ، والمقاصد النحوية (٢ / ١٠٣) ، وللتميميّ الحماسيّ في الدرر (٢ / ٦٣) ، وللتيميّ في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٩٥٠) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك (١ / ٢٨٧) ، وجواهر الأدب (ص ٢٠٥) ، وشرح الأشموني (١ / ١٢٦) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٣١) ، وهمع الهوامع (١ / ١١٦).