ضربة ، وذلك هو المطّرد فيها ، وأنّ المصدر الذي هي الجنس يختلف إلى أوزان مختلفة ، ألا ترى أنّك تقول : قعدت قعودا وجلست جلوسا؟ ولا يجوز غير ذلك ، لا تقول : جلست جلوسة ولا قعدت قعودة ، ولو كانت الكلالة يراد بها المرة الواحدة لم يجز هنا إلّا الكلّة.
والوجه الثاني : من غلطك هو جهلك بكون الكلالة جنسا لا واحدا من جنس يراد بها المرة ، وذلك قول الأعشى : [الطويل]
٥٢٥ ـ فآليت لا أرثي لها من كلالة |
|
ولا من حفّى حتّى تزور محمّدا |
ألا ترى أنّ الكلالة هنا بمعنى الكلال ، وليس يراد بها المرة الواحدة؟
وأمّا قولك : إنّ كلالة مصدر منقلب عن حال فكلام بيّن الاضطراب مبنيّ على غير الصواب ، إذ المصدر إذا صار حالا فإنّما يقال : انقلب إليها لا انقلب عنها ، لأنه منتقل عن انتصابه على أنّه مفعول مطلق إلى انتصابه على أنّه حال.
المسألة الخامسة : قال أبو نزار : قال سيبويه (٢) : لو بنيت من شوى مثل عصفور لقلت : شوويّ ، ووجهه مذهبه أنّ الأصل شويوي لا خلاف فيه ، فهو يقلب الياء الأولى واوا كما يفعل في رحى ، فإنّه رحويّ ، ثم يفتح الواو قبلها ، وما قلبها واوا إلّا معتزما كسرها كما في النّسب ، فلمّا فعل ذلك انقلب الواو التي بعدها ياء ، وهذا لا يليق بصنعة البناء ، ولا يجوز أن يتظاهر بهذا من له صنعة تامة وقوة في علم التصريف ، والذي ذكره سيبويه لا يشهد له أصل ولا يناسب الصنعة ، وإنما هو تحكّم منه ، والصحيح أن يقال : إن الأصل شويويّ ، ويجب أن يمضي القياس في قلب الواوين ياءين لاجتماعهما مع الياءين وسبقهما بالسكون ، فصار إلى شيّيّ ، فاختزلت حركة الياء الثانية وهي الضمة ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين ، ثم حذفت الياء الأخرى لأنه بقي ساكنان أيضا ، فبقي شيّ ، فقلبت الضمة التي على الشين إلى الكسرة فصار إلى شيّ ، كما فعلوا في بيض جمع أبيض ، وإنّما هو بيض بضم الباء ، ثم كسرت الباء المجاورة الياء ، فإن قيل : فقد أجحفت بالكلمة بهذه الحذوف قلت : العرب تمضي القياس وإن أفضى إلى حذف معظم الكلمة ، وشواهد ذلك كثيرة.
قال الرادّ عليه : يا هذا لقد خضت بحرا لست من خوّاضه ، وركبت جامحا
__________________
٥٢٥ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١٨٥) ، وخزانة الأدب (١ / ١٧٧) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥٧٧) ، وشرح المفصّل (١٠ / ١٠٠).
(١) انظر الكتاب (٤ / ٥٥٠).