وأجيب بأن قيل له : قد أتعبت الأسماع بلغطك وغلطك ، وأزعجت الطباع بخطائك وسقطك يا هذا ، إنّ تفسيرك للغيل بأنهم الذين امتلؤوا من شرب اللبن قياسا على الغيل وهو الساعد الممتلئ شيء لم يذهب إليه أحد من أهل اللغة ، وإنما ذهبوا إلى أنّ الغيل هو أن ترضع المرأة ولدها وهي حامل ، واسم ذلك اللبن أيضا الغيل ، ولم يقل أحد منهم : إنّ الغيل هو الامتلاء من شرب اللبن ، وإنما فسّرت لفظة الغيل في بيت الأعشى على غير هذا ، وهو : [البسيط]
٥٣٤ ـ إنّي لعمر الّذي خطّت مناسمها |
|
تخدي وسيق إليه الباقر الغيل |
على وجهين : أحدهما : أنّها الكثيرة من قولهم : غيل أي : كثير ، وقيل : الغيل هاهنا السّمان من قولهم : ساعد غيل أي : سمين ، والغيل بمعنى الكثير هو المراد في البيت الأول ، لأنّه يصف هذا الصائد بالفقر وكثرة الأولاد ، وأنّهم ليس لهم غذاء إلّا السّمار ، وهو اللبن الرقيق ، وأما قولك : إن غيلا جمع غيال واحد لم ينطق به فمن أفحش غلطاتك وأفضح سقطاتك ، بل هو جمع غيل ، والغيل : الماء الكثير وجمعه غيل ، ونظيره سقف وسقف ، وكذلك الغيل السّمان واحدها غيل أيضا ، وإنما غلطك في ذلك أنّ الغالب في فعل أن يكون جمعا لفعال أو فعال ، مثل حمار وحمر وقذال وقذل ، فقضيت أنّ غيلا جمع غيال ، وأمّا تفسيرك السّمار بأنّه اللبن على الإطلاق فغلط يجوز على مثلك من أهل التحريف ، وإنما صوابه أن تقول : السّمار : اللبن الرقيق أو اللبن المخلوط بالماء لأن تسمير اللبن هو خلطه بالماء ، فإن أكثر فيه الماء سمّوه المضيّح ، وتفسير البيت على وجه الصواب أنّه يصف حمار وحش أو ثور وحش آنس طملا أي : صائدا ، والطّمل : الذئب شبهه به ، يقول : هذا الثور الوحشي آنس صائدا له عائلة وأطفال ليس لهم غذاء إلّا اللبن المخلوط بالماء ، فهو لذلك أشدّ الناس اجتهادا في أن ينال صيد هذا الثور الوحشي ، ليشبع به عياله وأولاده.
المسألة التاسعة : قال أبو نزار : وسئلت في بغداد عن قول الشاعر (٢) : [المديد]
غير مأسوف على زمن |
|
ينقضي بالهمّ والحزن |
فلم يعرف وجه رفع غير ، وأوّل من أخطأ فيه شيخنا الفصيحيّ فعرفته ذلك ، والذي ثبت الرأي عليه أنّ المعنى لا يؤسف على زمن ، فغير مرفوع بالابتداء ، وقد تمّ
__________________
٥٣٤ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١١٣) ، ولسان العرب (غيل) ، وتهذيب اللغة (٣ / ٤١٦) ، وتاج العروس (غيل) ، وكتاب الجيم (٣ / ١٤).
(١) مرّ الشاهد رقم (٢٧٢).