الكلام وحصول الفائدة مسدّ الخبر ، ولا خبر في اللفظ ، كما قالوا : أقائم أخواك ، والمعنى : أيقوم أخواك ، فقائم مبتدأ ، وسدّ تمام الكلام مسدّ الخبر ولا خبر في اللفظ.
فقيل له : عجبنا أن أخطأت مرة بالصواب ، وجريت في توجيه هذه المسألة على سنن الإعراب.
المسألة العاشرة : قال أبو نزار : تقول العرب : جئت من عنده ، لأنّ من قضى وطرا من شخص فقد صار المعنى عنده غير مهمّ في نظره ، لأنّ الذي انقضى قد خرج عن حدّ الاهتمام به ، وبقي اختصاص الشخص بالموضع المختص بمن كان الغرض متعلقا به ، فأردت أن تذكر انفصالك عن مكان يخصه ، فقلت : من عنده ، فأمّا إذا كان الإنسان قد اعتزم أمرا يريده من شخص فإن المكان القريب من ذلك الشخص لا يهمّه ، وإنما المهم ذكر الإنسان الذي حاجتك عنده ، فالحكمة تقتضي أن تقول : إليه ولم يجز إلى عنده ، هذه حكمة العرب ، فأمّا سيبويه فقال : استغنوا بإليه عن «عنده» كما استغنوا بمثل وشبه عن ك.
فقال الرادّ عليه : يا هذا كانت إصابتك في مسألتك آنفا فلتة اغتفلتها ، وجميع ما وجّهت به في مسألتك هذه خارج عن الأصل المنقول ، ولم يذهب إليه أحد من ذوي العقول ، وذلك أنّ الذي ذهب إليه المحصّلون من أهل هذه الصناعة هو أنّ الظروف التي ليست بمتمكنة مثل : عند ولدن ومع وقبل وبعد حكمها أن لا يدخل عليها شيء من حروف الجر لعدم تمكنها وقلة استعمالها استعمال الأسماء ، وإنّما أجازوا دخول من عليها توكيدا لمعناها وتقوية له ، ولمّا لم يجز في شيء منها أن يكون انتهاء إلّا بذكر إلى لم يجز دخولها عليه تأكيدا لمعناه ، كما كان ذلك في من ، وقد قدمت أنّ حكم هذه الظروف أن لا يدخل عليها شيء البتّة من حروف الجر للزومها الظرفية وقلّة تصرّفها ، ولو لا قوة الدلالة فيها على الابتداء وقوة من على سائر حروف الجر بكونها ابتداء لكل غاية لما جاز دخول من عليها ، ألا ترى أنّه قد جاء في كلامهم كون «من» يراد بها الابتداء والانتهاء في مثل : رأيت الهلال من خلل السّحاب ، فخلل السّحاب هو ابتداء الرؤية ومنتهاها ، فهذا مما يدلّ على قوة من وضعت إلى ، فلذلك أجازوا : من عنده ومن معه ومن لانه ومن قبله ومن بعده ولم يجيزوا إلى عنده وإلى قبله وإلى بعده ، فهذه خمسة الظروف لا يدخل عليها شيء من الحروف الجارة سوى من ، وسبب ذلك ما تقدم ذكره.
وأما قولك : إنّ سبب ذلك هو أنّ من قضى وطرا إلى آخره فهذيان المبرسمين