وختامها ، أمّا الحيّات ففاعل والأفعوان والشجاع بدل منه منصوب اللفظ ، فإن قيل : كيف يكون بدلا ومن شأن البدل مشابهة المبدل منه في إعرابه ، وقد قلتم : إنّ الحيّات مرفوع وهذا منصوب؟ قلنا : كل واحد من الأفعوان والشّجاع فيه معنى الفاعلية والمفعولية فالحيّات ارتفع لفظه بما فيه من معنى الفاعلية وانتصب الأفعوان والشّجاع بما فيهما وفي الحيات من معنى المفعولية ، وإنما قلنا : إنّ كلّا منهما فاعل ومفعول لأنّ لفظ سالم يقتضي الفاعلية من فاعلته ، فلزم أن يكون كلّ منهما فاعلا بما صدر من فعله مفعولا بما صدر من فعل صاحبه ، لأنّ الحيّات سالمت القدم وسالمتها فلم تطأها ، فالحيّات فاعلة مفعولة ، والقدم فاعلة مفعولة ، فجاز أن يحمل اللفظ في الأفعوان والشجاع على ما فيهما وفي الحيات من معنى المفعولية ، وصح به معنى البدل ، وأمّا «ذات قرنين» فارتفع بالعطف على لفظ الحيات ، ولو انتصب لجاز ، وأمّا ضموزا فهو الساكت ، «وضرزما» فهو الصلب ، وهما حالان.
ما اختلف فيه من شعر أبي القاسم الحريري
قال الصلاح الصفدي (١) : اختلفت أنا والمولى شرف الدين حسين بن ريان في قول الحريري : [السريع]
٥٣٧ ـ فلم يزل يبتزّه دهره |
|
ما فيه من بطش وعود صليب |
فذهب هو في إعراب قوله : «ما فيه» إلى أنّه في موضع نصب على أنه مفعول ثان ، وذهبت أنا إلى أنه بدل اشتمال من الهاء التي في قوله : يبتزّه ، فكتب شرف الدين فتيا من صفد وجهّزها إلى الشيخ كمال الدين بن الزّملكاني ، وهي : ما تقول السادة علماء الدهر وفضلاء هذا العصر ، لا برحوا لطالبي العلم الشريف قبلة ، وموطن السؤال ومحلّه في رجلين تجادلا في مسألة نحوية ، وهي في بيت من المقامات الحريرية ، وهو :
فلم يزل يبتزّه دهره |
|
ما فيه من بطش وعود صليب |
ذهب إلى أنّ معنى يبتزّه يسلبه ، وكلّ منهما وافق في هذا مذهب خصمه مذهبه ، ومواطن سؤالهما الغريب إعراب قوله : «ما فيه من بطش وعود صليب» لم يختلفا في نصبه ، بل خلفهما فيما انتصب به ، فذهب أحدهما إلى أنّه بدل اشتمال من الهاء المنصوبة في يبتزّه ، وله على ذلك استدلال ، وذهب الآخر إلى أنّه مفعول ثان ليبتزه ، وجعل المفعول الهاء ، واختلفا في ذلك ، وقاصداكم جاءا وقد سألا الإجابة عن
__________________
٥٣٧ ـ انظر المقامة الفارمية العشرين (ص ١٩٥).