هذه المسألة فقد اضطرّا في ذلك إلى المسألة ، فكتب الشيخ كمال الدين الجواب : الله يهدي إلى الحق ، كلّ من المختلفين المذكورين قد نهج نهج الصواب ، وأتى بحكمة وفصل خطاب ، ولكلّ من القولين مساغ في النظر الصحيح ، ولكنّ النظر إنما هو في الترجيح ، وجعل ذلك مفعولا أقوى توجيها في الإعراب ، وأدقّ بحثا عند ذوي الألباب ، أما من جهة الصناعة العربية فلأنّ المفعول متعلق الفعل بذاته التي بوقوع الفعل عليه معنية ، والبدل مبيّن بكون الأول معه مطروحا في النيّة ، وهذا الفعل بهذا المعنى متعدّ إلى مفعولين ، و «ما فيه من بطش» هو أحد ذينك الاثنين ، لئلا يفوت متعلّق الفعل المستقل ، والبدل بيان يرجع إلى توكيد بتأسيس المعنى مخلّ ، وأما من جهة المعنى فلأن المقام مقام تشكّ وأخذ بالقلوب ، وتمكين هذا المعنى أقوى إذا ذكر ما سلب منه مع بيان أنّه المسلوب ، فذكر المسلوب منه مقصود كذكر ما سلب ، وفي ذلك من تمكين المعنى ما لا يخفى على ذوي الإرب ، ووراء هذا بسط لا تحتمله هذه العجالة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الصلاح الصفدي : لا أعلم أحدا يأتي بهذا الجواب غيره ، لمعرفته بدقائق النحو وبغوامض علمي المعاني والبيان ودربته بصناعة الإنشاء.
من الفوائد المتعلّقة بالمقامات
قال القاضي تاج الدين السّبكي في (الطبقات الكبرى) (١) : ومن الفوائد المتعلقة بالمقامات : سأل ابن يعيش النحوي زيد بن الحسن الكنديّ عن قول الحريري في المقامة العاشرة (٢) : «حتى إذا لألأ الأفق ذنب السّرحان وآن انبلاج الفجر وحان» ما يجوز في قوله : «الأفق ذنب السرحان» من الإعراب؟ وأشكل عليه الجواب ، حكى ذلك ابن خلّكان (٣) ، وذكر أنّ البندهيّ جوّز في شرح المقامات رفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني وعكسه.
قال ابن خلكان : ولو لا خوف الإطالة لأوردت ذلك ، قال : والمختار نصب الأفق ورفع ذنب قال ابن السّبكي : وقال الشيخ جمال الدين بن هشام ومن خطه نقلت : كأنّ رفعهما على حذف مفعول لألأ وتقدير ذنب بدلا ، أي : حتى إذا لألأ الوجود والأفق ذنب السّرحان ، وهو بدل اشتمال ، ونظيره : سرق زيد فرسه ، ويضعّفه أو يردّه
__________________
(١) انظر طبقات الشافعية الكبرى (٧ / ٢٦٩).
(٢) انظر مقامات الحريري (ص ٧٠).
(٣) انظر وفيات الأعيان (٧ / ٤٧).