الإعرابين مخالف لما ذكر ، وتوجيه المعنى مخالف لما ذكروا ، لأنه إنما يتّضح تطابق اللفظ والمعنى على ما وجّهت لا على ما وجهوا ، ولعلّ من لم يقو أنسه بتجوّزات العرب في كلامهم يقدح فيما ذكرت بكثرة الحذف ، وهو كما قيل : [الطويل]
٥٤٣ ـ إذا لم يكن إلّا الأسنّة مركب |
|
فلا أر للمحتاج إلّا ركوبها |
وقد بيّنت في التوجيه الأول أنّ مثل هذا الحذف والتجوّز واقع في كلامهم ، قال أبو الفتح : «قال لي أبو علي : من عرف ألف ومن جهل استوحش».
رأي في قولهم : الإعراب لغة البيان
وأمّا قوله : الإعراب لغة البيان ونحوه فيتبادر إلى الذهن فيه أربعة أوجه :
الأول : وهو أقربها تبادرا أن يكون على نزع الخافض ، والأصل : الإعراب في اللغة البيان ، ويشهد لهذا أنّهم قد يصرّحون بذلك ، أعني بأن يقولون : الإعراب في اللغة البيان وفي هذا الوجه نظر من وجهين :
الأول : أنّ إسقاط الخافض من هذا ونحوه ليس بقياس ، واستعمال مثل هذا التركيب مستمرّ في كلام العلماء.
والثاني : أنّهم قد التزموا في هذه الألفاظ التنكير ، ولو كانت على إسقاط الخافض لبقيت على تعريفها الذي كان عند وجود الخافض ، كما بقي التعريف في قوله : [الوافر]
٥٤٤ ـ تمرّون الدّيار ولم تعوجوا |
|
[كلامكم عليّ إذا حرام] |
وأصله : تمرون على الديار أو بالديار ، وقد يزاد على هذين الوجهين وجهان آخران :
الأول : أنه ليس في الكلام ما يتعلق به هذا الخافض.
والثاني : أنّ سقوط الخافض لا يقتضي النصب من حيث هو سقوط خافض ، بل من حيث إنّ العامل الذي كان الجار متعلقا به لمّا زال من اللفظ ظهر أثره لزوال ما
__________________
٥٤٣ ـ انظر زهر الآداب (٢ / ٨٢).
٥٤٤ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٢٧٨) ، والأغاني (٢ / ١٧٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٥٠٣) ، وخزانة الأدب (٩ / ١١٨) ، والدرر (٥ / ١٨٩) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣١١) ، ولسان العرب (مرر) ، والمقاصد النحوية (٢ / ٥٦٠) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب (٧ / ١٥٨) ، ورصف المباني (ص ٢٤٧) ، وشرح ابن عقيل (ص ٢٧٢) ، وشرح المفصّل (٨ / ٨) ، ومغني اللبيب (١ / ١٠٠) ، والمقرّب (١ / ١١٥).