الكلام في (هلمّ جرّا)
وأمّا قوله : هلمّ جرّا ، فكلام مستعمل في العرف كثيرا ، وذكره الجوهري في صحاحه ، فقال في فصل الجيم باب الراء : «وتقول : كان ذلك عام كذا وهلمّ جرّا إلى اليوم» ، هذا جميع ما ذكره ، وذكر الصاغاني في عبابه ما ذكره صاحب الصحاح ولم يزد عليه ، وذكر أبو بكر بن الأنباري «هلمّ جرّا» في كتاب الزاهر ، وبسط القول فيه وقال : «معناه : سيروا على هينتكم ، أي : تثبّتوا في سيركم ، ولا تجهدوا أنفسكم» قال : «وهو مأخوذ من الجرّ وهو أن تترك الإبل والغنم ترعى في السّير ، قال الراجز :
٥٤٨ ـ لطالما جررتكنّ جرّا |
|
حتّى نوى الأعجف واستمرّا |
فاليوم لا آلو الرّكاب شبرا |
قلت : الأعجف : الهزيل ، ونوى : صار له نيّ بفتح النون وتشديد الياء وهو الشحم ، وأمّا النّييء بكسر النون وبالهمز بعد الياء ساكنة فهو اللحم الذي لم ينضج ، واستمرّ كأنه استفعل من المرّة بكسر الميم ، وهو القوّة ، ومنه قوله : (ذُو مِرَّةٍ) [النجم : ٦] ، قال : وفي انتصاب «جرّا» ثلاثة أوجه :
الأول : أن يكون مصدرا وضع موضع الحال ، والتقدير : هلمّ جارّين ، متثبتين.
الثاني : أن يكون على المصدر لأنّ في «هلمّ» معنى جرّوا ، فكأنه قيل : جرّوا جرّا ، وهذا على قياس قولك : جاء زيد مشيا ، فإنّ البصريين يقولون : تقديره : ماشيا ، والكوفيون يقولون : المعنى : مشى مشيا ، وقال بعض النحويين : «جرّا» نصب على التفسير انتهى كلام أبي بكر ملخصا.
وقال أبو حيان في الارتشاف : «وهلمّ جرّا معناه : تعال على هينتك متثبتا ، وانتصاب جرّا على أنه مصدر في موضع الحال ، أي : جارّين ، قاله البصريون ، وقال الكوفيون : مصدر لأنّ معنى هلمّ جرّوا ، وقيل : انتصب على التمييز ، وأوّل من قاله عابد بن يزيد ، قال : [الوافر]
٥٤٩ ـ فإن جاوزت مقفرة رمت بي |
|
إلى أخرى كتلك هلمّ جرّا |
وقال آخر من تغلب : [الرجز]
٥٥٠ ـ المطعمين لدى الشّتا |
|
ء سدائفا مل نيب غرّا |
في الجاهليّة كان سؤ |
|
دد وائل فهلمّ جرّا |
__________________
٥٤٨ ـ الرجز بلا نسبة في مجمع الأمثال (٢ / ٤٠٣) ، واللسان (جرر) ، وتاج العروس (جرر).
٥٤٩ ـ البيت لعائذ بن يزيد اليشكري في مجمع الأمثال (٢ / ٤٠٣).
٥٥٠ ـ الرجز للمؤرج التغلبي في همع الهوامع (٢ / ٢٠٠) ، والدرر (٢ / ٢٣٢).