نحر عنها ، ثم حشي جلده تبنا أو حشيشا وجعل بين يديها حتى تشمّه وتدرّ عليه ، فهي تسكن إليه مرّة ثم تنفر عنه ثانية ، تشمّه بأنفها ثم تأباه بقلبها ، فيقول : فما ينفع من هذا البوّ إذا تشمّمته ثم منعت درّتها؟.
وحدّث المرزبانيّ عن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب قال : سأل اليزيدي الكسائي بحضرة الرشيد فقال : انظر ، في هذا الشعر عيب وأنشده : [مجزوء الرمل]
٥٦٨ ـ ما رأينا خربا نق |
|
قر عنه البيض صقر |
لا يكون العير مهرا |
|
لا يكون المهر مهر |
فقال الكسائي : قد أقوى الشاعر ، فقال له اليزيدي : انظر فيه ، فقال : أقوى ، لا بدّ أن ينصب المهر الثاني على أنّه خبر (كان) ، فضرب اليزيدي بقلنسوته الأرض وقال : أنا أبو محمد ، الشعر صواب ، إنّما ابتدأ فقال : المهر مهر ، فقال له يحيى بن خالد : أتتكنّى بحضرة أمير المؤمنين وتكشف رأسك؟ والله لخطأ الكسائي مع أدبه أحبّ إلينا من صوابك مع سوء فعلك ، فقال : لذّة الغلبة أنستني من هذا ما أحسن. انتهى.
وفي (طبقات الكمال) لابن الأنباري (٢) : قال الدّوريّ : كان أبو يوسف يقع في الكسائي ويقول : أيّ شيء يحسن؟ إنما يحسن شيئا من كلام العرب ، فبلغ ذلك الكسائي ، فالتقيا عند الرشيد ، وكان الرشيد يعظّم الكسائي لتأديبه إيّاه ، فقال لأبي يوسف : أيش تقول في رجل قال لامرأته : أنت طالق طالق طالق؟ قال : واحدة ، قال : فإن قال لها : «أنت طالق أو طالق أو طالق» ، قال : واحدة ، قال فإن قال لها : أنت طالق ثم طالق ثم طالق؟ قال : واحدة ، قال فإن قال لها : أنت طالق وطالق وطالق؟ قال واحدة ، قال الكسائي : يا أمير المؤمنين أخطأ يعقوب في اثنتين وأصاب في اثنتين ، أمّا قوله : أنت طالق طالق طالق فواحدة ، لأنّ الثّنتين الباقيتين تأكيد ، كما تقول : أنت قائم قائم قائم ، وأنت كريم كريم كريم ، وأمّا قوله : أنت طالق أو طالق أو طالق فهذا شك ، وقعت الأولى التي تتيقّنّ ، وأما قوله : أنت طالق ثم طالق ثم طالق فثلاث لأنه نسق ، وكذلك قوله : أنت طالق وطالق وطالق.
وقال ياقوت (٣) : قرأت بخط أبي سعيد عبد الرحمن بن علي اليزدادي اللغويّ
__________________
٥٦٨ ـ انظر مجالس العلماء (ص ٢٥٥) ، والغيث المسجم (٢ / ١٤٣) ، معجم الأدباء (٤ / ٩٢).
(١) انظر نزهة الألباء (ص ٧٣).
(٢) انظر معجم الأدباء (١٣ / ١٩٤).