باب نواصب المضارع
قال أبو حيان : «من غريب مذاهب الكوفيين في (أن) أنّهم أجازوا الفصل بينها وبين معمولها بالشرط ، وأجازوا أيضا إلغاءها وتسليط الشرط على ما كان معمولا لها لولاه ، فأجازوا : «أردت أن إن تزرني أزورك» بالنصب وأزرك بالجزم جوابا للشرط وإلغاء أن» (١).
قال (٢) ابن عصفور : «زعم الزمخشري أنّ (لن) لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل ، تقول : «لا أبرح اليوم مكاني» ، فإذا أكّدت وشدّدت قلت : «لن أبرح اليوم مكاني» ، قال : «وهذا الذي ذهب إليه دعوى لا دليل عليها ، بل قد يكون النفي ب (لا) آكد من النفي ب (لن) ، لأنّ المنفيّ ب (لا) قد يكون جوابا للقسم ، نحو : والله لا يقوم زيد ، والمنفيّ ب (لن) لا يكون جوابا له ، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد منه إذا لم يقسم» ، قال : «وذهب أبو محمد عبد الواحد بن عبد الكريم (٣) إلى أنّ (لن) تنفي ما قرب ولا يمتدّ معها النفي قال : «ويبيّن ذلك أنّ الألفاظ مشاكلة للمعاني (٤) و «لا» آخرها ألف ، والألف يمتدّ معها الصوت بخلاف النون ، فطابق كلّ لفظ معناه».
قال ابن عصفور : «وهذا الذي ذهب إليه باطل ، بل كلّ منهما يستعمل حيث يمتدّ النفي وحيث لا يمتدّ ، فمن الأول في (لن) : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [الجاثية : ١٩] ، (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة : ٢٤] ، وفي (لا) : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) [طه : ١١٨] ، ومن الثاني في (لن) : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ٢٦] ، وفي (لا) : (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [آل عمران : ٤١].
قال أبو حيان : «وعبد الواحد هذا له كتاب (التبيان في علم البيان) ، ذكر فيه هذا الذي حكاه عنه ابن عصفور ، قال : وما يذهب إليه أهل علم البيان ، ويختصّون به ينبغي أن لا يحكى مذهبا ، لأنّهم يبنون على خيالات هذيانيّة أو استقراءات غير كاملة ، وحين وصل كتاب التبيان هذا إلى الغرب نقضه ابن رشيد من المقيمين بتونس نقضا في كل قواعده ، ونقضه أيضا الكاتب أبو المطرّف بن عميرة ، وكان من
__________________
(١) انظر همع الهوامع (٢ / ٣).
(٢) انظر شرح ابن يعيش على المفصّل (٨ / ١١١).
(٣) انظر همع الهوامع (٢ / ٤).
(٤) انظر الخصائص (٢ / ١٤٥).