وقال الفراء (١) : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) أي : لننزعنّ بالنداء ، فننادي أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّا ، وله فيه قول آخر وهو أنّه قال : يجوز أن يكون الفعل واقعا على موضع من كما تقول : أصبت من كلّ طعام ونلت من كلّ خير ، ثم تقدر : ننظر أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا ، وله فيه قول ثالث ، قال : يجوز أن يكون معناه : ثم لننزعنّ من الذين تشايعوا ينظرون بالتشايع أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّا ، فتكون أيّ في صلة التشايع.
قال : وأجود هذه الأقاويل قول سيبويه والقول الآخر من أقوال الفراء ، ففي الآية ستة أقوال ، ثلاثة للبصريين وثلاثة للكوفيين.
قال سيبويه : أيّهم هاهنا بتأويل (الذي) ، وهو في موضع نصب بوقوع الفعل عليه ، ولكنه بني على الضم ، لأنه وصل بغير ما وصل به الذي وأخواته ، لأنه وصل باسم واحد ، ولو وصل بجملة لأعرب ، فأشدّ خبر ابتداء مضمر تقديره : هو أشد وعتيّا منصوب على التمييز ، ولو أظهر المبتدأ لنصب أيّ ، فقيل : لننزعنّ من كلّ شيعة أيّهم هو أشدّ.
مجلس أبي إسحاق الزّجّاج مع جماعته (٢)
تصغير المهوأنّ : ذكره أبو حيان في (تذكرته) ، وهو في (كتاب المجالس) المشار إليه ، وأظنه تأليف تلميذه أبي القاسم الزّجّاجي ، فإنّه قال فيه : قال لنا أبو إسحاق يوما في مجلسه : كيف تصغّرون المهوأنّ في قول رؤبة : [الرجز]
٣٧١ ـ قد طرقت سلمى بليل هاجعا |
|
يطوي إليها مهوأنّا واسعا |
فأرقت بالحلم ولعا والعا |
قال : المهوأنّ : الواسع من الأرض البعيد ، والولع : الكذب ، فخضنا في تصغيره فلم يرض ما جئنا به ، فقال : الوجه أن يقال : مهيّن ، وقياس ذلك أنّ الاسم على ستة أحرف ، وكلّ اسم جاوز أربعة أحرف ليس رابعه حرف مدّ ولين فقياسه أن يردّ إلى أربعة أحرف في التصغير ، كما قالوا في سفرجل : سفرج وفي فرزدق : فريزد ، وكذلك ما أشبهه ، فوقعت ياء التصغير في مهوأنّ ثالثة ساكنة وبعدها واو فوجب قلب الواو يأء وإدغام الأولى فيها ، فصارت بعد الهاء ياء شديدة وبعدها ثلاثة أحرف همزة
__________________
(١) انظر معاني القرآن للفراء (١ / ٤٧).
(٢) انظر مجالس العلماء (ص ٢٩٦).
٣٧١ ـ الرجز لرؤبة في ديوانه (ص ٩٦).