حضرت مجلس أبي بكر بن دريد وقد سأله بعض الناس عن معنى قول الشاعر : [الوافر]
هجرتك لا قلى منّي ولكن |
|
رأيت بقاء ودّك في الصّدود |
كهجر الحائمات الورد لمّا |
|
رأت أنّ المنيّة في الورود |
تفيض نفوسها ظمأ وتخشى |
|
حماما فهي تنظر من بعيد |
قال : الحائم : الذي يدور حول الماء ولا يصل إليه ، يقال : حام يحوم حياما ، ومعنى الشعر أنّ الأيائل تأكل الأفاعي في الصيف فتحمى وتلهب لحرارتها فتطلب الماء ، فإذا وقعت عليه امتنعت من شربه وحامت حوله تتنسّمه لأنّها إن شربته في تلك الحال وصادف الماء السّمّ الذي في أجوافها تلفت ، فلا تزال تدفع شرب الماء حتى يطول بها الزمان ، فيسكن فوران السّمّ ، ثم تشربه فلا يضرّها ، فيقول هذا الشاعر : فأنا في تركي وصالك مع شدة حاجتي إليك إبقاء على ودّك بمنزلة هذه الحائمات التي تدع شرب الماء مع شدّة حاجتها إليه إبقاء على حياتها.
مجلس بكر بن حبيب السّهميّ مع شبيب بن شيبة (١)
مسائل لغويّة
قال الزجاجيّ في (أماليه) أخبرنا أبو بكر بن شقير قال : أخبرني محمد بن القاسم بن خلّاد عن عبد الله بن بكر بن حبيب السّهميّ عن أبيه (٢) قال : دخلت على عيسى بن جعفر بن المنصور وهو أمير البصرة أعزّيه عن طفل له مات ، فبينا أنا عنده دخل عليه شبيب بن شيبة المنقريّ ، فقال : أبشر أيّها الأمير ، فإنّ الطّفل لا يزال محبنطئا بباب الجنة ، يقول : لا أدخل حتى يدخل والداي ، فقلت : أبا المعمّر دع عنك الطاء والزم الظاء ، قال : أو لي تقول هذا وما بين لا بتيها أفصح منّي؟ فقلت له : هذا خطأ ثان ، ومن أين للبصرة لابة؟ إنّا البصرة : الحجارة البيض الرّخوة ، والّلابة : الحجارة السّود (٣). ويقال : لابة ولاب ، ولوبة ولوب ، ونوبة ونوب لمعنى واحد ، فكان كلّما انتعش انتكس.
وقال أبو بكر الزبيدي في (طبقاته) (٤) : حدّثنا محمد بن موسى بن حماد
__________________
(١) انظر أمالي الزجاجي (ص ٢٤٨) ، والمزهر (٢ / ٣٥٤).
(٢) بكر بن حبيب السهميّ : والد المحدّث عبد الله بن بكر ، أخذ عن أبي إسحاق. ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٤٦٢).
(٣) الخبر في بغية الوعاة (١ / ٤٦٢).
(٤) انظر طبقات الزبيدي (ص ١٣٥).