فقلت له : ألا تقول : كأنّها فتحمله على الخطوط أو كأنّهما فتحمله على السواد والبلق؟ فغضب وقال : كأنّ ذاك بها توليع البهق ، فذهب إلى المعنى والموضع ، فلذلك ذهبوا بذلك إلى السماء ، فأمّا قوله : كأنه فإنّه السواد ، والبلق هو التوليع ، فكأنه قال : كأن هذا التوليع توليع البهق ، وأمّا السّماء والأرض فالعرب تكتفي بالواحد من الجميع ، فإن شئت رددته على المعنى وإن شئت على اللفظ.
وأما قوله : كأنّ ذاك فإنّ ذاك لا يكنى به إلّا عن جملة ، وكان هشام وأصحاب الكسائي إذا اتفق الفعل والاسم كنيا بذاك ، وإذا لم يتفق الاسم والفعل لم يفعلوا ، فيقولون : ظننت ذاك ، ولا يقولون : كأن ذاك ، ولا إنّ ذاك ، والفراء يجيزه كله ، لأنه كناية عن الاسم والفعل ، فيقولون : إنّ ذاك وكأنّ ذاك ، وقال : مثل ذلك قوله : [الكامل]
٣٧٦ ـ لو أنّ عصم عمايتين ويذبل |
|
سمعا حديثك أنزلا الأوعالا |
فشرّك بين الأعصم وعمايتين ويذبل ، ومثل ذلك ممّا أشركوا الاثنين بواحد وجعلوا لفظ عدد تقدير الفعل على تقدير لفظ فعل الفردين المشرّك بينهما قوله في قول من يجعل اللفظ للمضاف إليه : لو أنّ عسم عمايتين ويذبل ، وعمايتان اثنان ويذبل الثالث ، فجعل تقدير لفظ فعلهم المشرك بينهما ، أمّا هذا فإنّ عمايتين موضع ويذبل موضع ، فخبّر عنهما كأنّه قال : فإنّ عصم هذين الموضعين لو سمعا حديثك أنزلا الأوعال منهما ، وقوله (٢) : [الطويل]
تذكّرت بشرا والسّماكين أيهما |
|
عليّ من الغيث استهلّت مواطره |
فجعل السّماكين واحدا ، وفيه تفسيران آخران : إن شئت قلت : بل حمله على الموضع والمعنى ، فردّوه إلى موضعه وإلى واحد ومعناه ، فردّوا السّماوات إلى السماء وعمايتين إلى عماية ، قال أبو العباس : ولو قال : السّماكين نجم فردّه على معنى نجم كان أصلح ، وقوله : أيهما خفيف يريد أيّهما ، فخفّف يريد : تذكّرت السماكين وهذا الرجل أيهما أصابني الغيث من قبله ، وأمّا قوله : ردّ عمايتين على عماية فهو على الموضع أجود ، والسماوات إلى السماء ، فهذا جائز لأنّه يقول : السماء بمعنى السماوات والأرض بمعنى الأرضين ، وقال : هو كما ردّ قوله : [الرجز]
__________________
٣٧٦ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٥٠) ، والدرر (١ / ١٢٥) ، ومعجم ما استعجم (ص ٩٦٦) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (٢ / ٦٦٠) ، وتذكرة النحاة (ص ١٥٣) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٤٦٢) ، وشرح المفصّل (١ / ٤٦) ، والمنصف (١ / ٢٤٢) ، وهمع الهوامع (١ / ٤٢).
(١) مرّ الشاهد رقم (٢٧).