محمد بن أبي محمد اليزيدي عن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي قال : إنّي لأطوف غداة يوم بمكة إذ لقيني ياسين الزيات ، فقال : يا أبا محمد ما نمت البارحة لشيء اختلج في صدري منعني الفكر فيه النوم ، وما كنت أودّ إلّا أن أصبح فألقاك قلت : وما ذاك؟ قال : أيجوز في كلام العرب أن يقول الرجل : «أريد أن أفعل كذا وكذا» لشيء قد فعله؟ فقلت ذلك غير جائز إلّا على ضرب من الحكاية أفسّره لك ، قال : فما تقول في قول الله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) [القصص : ٤] إلى أن بلغ إلى قوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) [القصص : ٥] فخاطب بها محمّدا صلّى الله عليه وسلّم وقد فعل ذلك قبل؟ قلت : هذا من الحكاية التي ذكرتها لك لأنّه قال : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص : ٤] ، كأنّ تقدير الكلام : وكان من حكمنا يومئذ أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، فحكى ذلك لمحمد صلّى الله عليه وسلّم : كما قال في قصة يحيى : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ١٥] لأنّ تقدير الكلام : وكان من حكمنا سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا ، فحكى ذلك لمحمد صلّى الله عليه وسلّم فقال : جزاك الله خيرا يا أبا محمد ، فقد فرّجت عنّي بما شرحت لي.
مجلس أبي عثمان المازني مع يعقوب بن السكّيت (١)
أخبرنا أبو إسحاق الزجاج قال : أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد عن أبي عثمان قال : جمعني وابن السكيت بعض المجالس ، فقال لي بعض من حضر : سله عن مسألة وكان بيني وبين ابن السكيت ود ، فكرهت أن أتجهّمه بالسؤال لعلمي بضعفه في النحو ، فلما ألحّ عليّ قلت له : ما تقول في قول الله عز وجل : (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) [يوسف : ٦٣] ، وما وزن «نكتل» من الفعل ولم جزمه؟ فقال : وزنه نفعل وجزمه لأنّه جواب الأمر ، قلت : فما ماضيه؟ ففكّر وتشوّر ، فاستحييت له ، فلمّا خرجنا قال لي : ويحك! ما حفظت الودّ ، خجّلتني بين الجماعة ، فقلت : والله ما أعرف في القرآن أسهل منها ، قال : وزن نكتل نفتعل من اكتال يكتال ، وأصله : نكتيل فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون اللام فصار نكتل.
مجلس أبي عثمان المازني مع أبي عمر الجرميّ (٢)
حدثني بعض إخواني قال : حذثنا أبو إسحاق الزجاج قال : أخبرنا محمد بن
__________________
(١) انظر مجالس العلماء (ص ٣٠٠) ، وإنباه الرواة (١ / ٢٥٠).
(٢) انظر مجالس العلماء (ص ٣٠٥) ، وإنباه الرواة (٢ / ٨١).