في الدار وزيد أمامك. قلت : ذلك غير جائز لأنّ خبر المبتدأ إذا كان هو المبتدأ بعينه لم يكن إلّا مرفوعا ، كقولنا : زيد منطلق وعبد الله قائم وما أشبه ذلك ، وكذلك إذا قلنا : مررت برجل أبوه قائم ، فالقائم هو الأب في المعنى ، فلا يجوز أن يختلف إعرابهما ، قال : فقد جاء في الشعر الفصيح الذي هو حجّة مثل هذا الذي تنكره ، قال امرؤ القيس : [الطويل]
٣٩٦ ـ فظلّ لنا يوم لذيذ بنعمة |
|
فقل في مقيل نحسه متغيّب |
تقديره : فقل في مقيل متغيّب نحسه ، ثم قدّم وأخّر كما ترى ، فقلت له : ليس هو على هذا التقدير ، فوقع لي في الوقت خاطر ، قال : فأيّ شيء تقديره؟ فقلت : تقديره : فقل في مقيل نحسه ، وتمّ الكلام كما تقول : مررت بمضروب أبوه كريم ، والتقدير : مررت برجل مضروب أبوه ، ثم تجعل كريما نعتا للمتروك الذي في النية ، فكأنّه قال : فقل في مقيل نحسه ، يقال : قال نحسه أي سكن ، والنّحس : الدّخان أيضا ، ثم قال : متغيّب بعد أن تمّ الكلام كأنّه قال : متغيب عن النحس. فقال : هذا لعمري وجه على هذا التقدير.
قال أبو الحسن : فحدثت أبا العباس المبرد بما جرى فقال : هذا شيء كان خطر لي ، فخالفت النحويين لأنّهم زعموا أنّه ممّا أتى به امرؤ القيس ضرورة ، ثم رأيته بعد ذلك قد أملاه.
مجلس سعيد الأخفش مع المازني (٢)
حدثني محمد بن منصور قال : سأل المازني أبا الحسن سعيد بن مسعدة عن قولهم : «زيد أفضل من عمرو وأكرم منه» فقال الأخفش : أفعل في هذا الباب إذا صحبه «من» فإنّما يضاف إلى ما هو بعضه ، فلم يثنّ ولم يجمع ، كما أن البعض كذلك لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنث ، كقولك : بعض أخواتك خرجن وخرجتا وخرج.
قال أبو عثمان : إنما معناه : فضله يزيد على فضله وكرمه يزيد على كرمه ، فكان بمعنى المصدر ، فلم يثنّ ولم يجمع ، كما أنّ المصدر كذلك ، وقال الفراء : إنّ أفعل في هذا الجنس يضاف إلى شيء يجمع الفاضل والمفضول ، فاستغني بتثنيته ما أضيف إليه وجمعه وتأنيثه عن تثنيته في ذاته وجمعه ، فصار بمنزلة الفعل الذي إذا تقدّم يستغنى بما بعده عن تثنيته وجمعه.
__________________
٣٩٦ ـ الشاهد غير موجود في ديوانه ، وهو له في لسان العرب (غيب).
(١) انظر مجالس العلماء (ص ٣٢٢).