الشمعة بين يديّ ، فدخلت إلى الكسائي وهو في فراشه ، فأقرأته الرّقعة فقال لي : خذ الدّواة واكتب : أمّا من أنشد البيت بالرفع فقال : عزيمة ثلاث فإنّما طلّقها بواحدة ، وأنبأها أنّ الطّلاق لا يكون إلّا بثلاثة ولا شيء عليه ، وأمّا من أنشد : عزيمة ثلاثا فقد طلّقها وأبانها لأنّه كأنه قال : أنت طالق ثلاثا ، وأنفذت الجواب ، فحملت إليّ آخر اللّيل جوائز وصلات ، فوجهت بالجميع إلى الكسائي.
مجلس الرشيد مع المفضّل الضبّي
قال الزجاجي في (أماليه) (١) : أخبرنا أحمد بن سعيد الدمشقي ، حدثنا الزبير ابن بكار ، حدثني عمّي مصعب بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن مصعب قال : قال المفضّل الضّبّي : وجّه إليّ الرشيد فما علمت إلّا وقد جاءني الرسول ليلا فقال : أجب أمير المؤمنين ، فخرجت حتى صرت إليه وهو متّكئ ، ومحمد بن زبيدة عن يساره ، والمأمون عن يمينه ، فسلّمت فأومى إليّ بالجلوس فجلست ، فقال لي : يا مفضّل ، قلت : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : كم في (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧] من اسم؟ فقلت : ثلاثة أسماء يا أمير المؤمنين ، قال : وما هي؟ قلت : الياء لله عز وجل ، والكاف الثانية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والهاء والميم والواو في الكفار ، قال : صدقت ، كذا أفادنا هذا الشيخ يعني الكسائي ، وهو إذ جالس ، ثم قال : فهمت يا محمد؟ قال : نعم ، قال : أعد المسألة ، فأعادها كما قال المفضل ، ثم التفت فقال : يا مفضل عندك مسألة تسأل عنها؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين. قول الفرزدق : [الطويل]
٤٠٤ ـ أخذنا بآفاق السّماء عليكم |
|
لنا قمراها والنّجوم الطّوالع |
قال : هيهات ، قد أفادنا هذا متقدّما قبلك هذا الشيخ ، لنا قمراها يعني الشمس والقمر ، كما قالوا : سنّة العمرين ، يريدون أبا بكر وعمر ، قلت : زيادة يا أمير المؤمنين في السؤال ، قال : زد ، قلت : فلم استجيز هذا؟ قال لأنه إذا اجتمع اسمان من جنس واحد وكان أحدهما أخفّ على أفواه القائلين غلّبوه فسمّوا الآخر باسمه ، فلمّا كانت أيام عمر أكثر من أيام أبي بكر وفتوحه أكثر غلّبوه وسمّوا أبا بكر باسمه ، وقال تعالى : (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) [الزخرف : ٣٨] ، وهو المشرق والمغرب ، قلت : قد بقيت مسألة أخرى ، فالتفت إليّ الكسائي وقال : أفي هذا غير ما قلت؟ قلت : بقيت الغاية التي
__________________
(١) انظر المزهر للسيوطي (٢ / ١٨٩) ، والمسألة ليست في الأمالي.
٤٠٤ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (ص ٤١٩) ، وخزانة الأدب (٤ / ٣٩١) ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٣) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦٨٧) ، ولسان العرب (عوي) ، وبلا نسبة في لسان العرب (شرق) و (قبل) ، والمقتضب (٤ / ٣٢٦).