فأما أصحابنا البصريون فلا يجيزون خفض هذا البتّة ، لأنّ قولنا : زيد السعديّ ، سعد مرفوع وليس بمرفوع ، وإنّما الياء المثقلة في آخره دلّت على النّسب إليه ، ولا يكون المضاف إليه أولا والدّال على الإضافة آخرا ، ولعمري أنّ النسب إضافة ، لأنّا إذا قلنا : رجل بكريّ وتميميّ فإنّما نضيفه إليه ، ولكنّه ليس على طريقة المضاف والمضاف إليه ، وليس هاهنا لفظ خافض ولا مخفوض ، وقد سمّى سيبويه النسب إضافة على الوجه الذي ذكرته لك ، فيقول أصحابنا : «زيد السعديّ سعد بكر» بالنصب على أعني سعد بكر ، ولا يمتنعون من الرفع على معنى هو : سعد بكر ، وليست هذه المسألة مسطرة لأصحابنا في شيء من كتبه ، وهي مسطرة في كتب الكوفيين ، ولكنّي سألت عنها أبا بكر بن الخياط وابن شقير ، فأجابني بما ذكرته لك.
المسألة الثانية
كيف الاختيار في النّسب إلى ماذرايا وجرجرايا (١) وقاليقلا ، أما جرجرايا وماذرايا فالاختيار في النسب إليهما أن تقول : جرجرائيّ وماذرائيّ بهمزة بعد ألف بعدها ياء النّسب ، وقياس ذلك أنّ الألف التي في آخر جرجرايا وماذرايا يلزم حذفها في النسب ، لأنّ الألف في النسب إذا وقعت خامسة فصاعدا يلزم حذفها ، كما تقول في النسب إلى حبارى حباريّ ، وإلى جحجبى (٢) جحجبيّ ، هذا متّفق عليه ولا خلاف فيه ، فلمّا وقعت الألف في هذين الاسمين سابعة كان حذفها لازما ، فلمّا حذفت الألف بقيت في آخر الاسم ياء قبلها ألف في موضع حركة طرفا فلزم قبلها ألفا والإبدال منها همزة ، كما يلزم مثل ذلك في سقاء وشفاء ، وكذلك كل ياء أو واو وقعت طرفا قبلها ألف لزم قبلها همزة على هذا القياس ، فقيل : جرجرائيّ وماذرائيّ كما ترى ، وقال سيبويه (٣) في النسب إلى حولايا وبردرايا (٤) : حولائيّ وبردرائيّ ، قال : تحذف الألف الأخيرة لأنّها سادسة ، وتقلب الياء التي قبلها ألفا لوقوعها طرفا قبل ألف ، ثم تبدل منها همزة ، وإن شئت قلت : جرجراويّ وماذراويّ ، فأبدلت من الهمزة واوا كما أجازوا في سماء : سماويّ وفي كساء : كساويّ وفي سقاء : سقاويّ تشبيها
__________________
(١) ماذرايا : قرية فوق واسط. (معجم البلدان ٤ / ٣٨١). وجرجرايا : بلد من أعمال النهروان (معجم البلدان ٢ / ٥٤).
(٢) جحجبى : حيّ من الأنصار. (انظر لسان العرب : جحجب).
(٣) انظر الكتاب (٢ / ٢٧٢).
(٤) حولايا : قرية كانت بنواحي نهروان. (معجم البلدان ٢ / ٢٦٦) ، وبردرايا : موضع بالنهروان في أعمال العراق. (معجم البلدان ١ / ٥٥٥).