بالحرف. وفي القرآن الكريم أمثلة تبيّن ذلك ، قال الله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] ، فأتى بالواو بين الوصفين الأخيرين لأنّ المقصود بالصفات الأولى ذكرها مجتمعة ، والواو قد توهم التنويع فحذفت. وأمّا الأبكار فلا يكنّ ثيّبات ، والثيّبات لا يكنّ أبكارا ، فأتى بالواو لتضادّ النوعين. وقال تعالى : (حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) [غافر : ١ ـ ٣]. فأتى بالواو في الوصفين الأوّلين ، وحذفها في الوصفين الأخيرين ، لأنّ غفران الذّنب وقبول التوبة قد يظنّ أنّهما يجريان مجرى الواحد لتلازمهما ، فمن غفر الذّنب قبل التوبة ، فبيّن الله سبحانه وتعالى بعطف أحدهما على الآخر أنّهما مفهومان متغايران ، ووصفان مختلفان يجب أن يعطى كلّ واحد منهما حكمه ، وذلك مع العطف أبين وأوضح. وأمّا (شَدِيدِ الْعِقابِ) ، و (ذِي الطَّوْلِ) فهما كالمتضادّين ؛ فإنّ شدّة العقاب تقتضي اتّصال الضّرر ، والاتصاف بالطول يقتضي اتصال النّفع ، فحذف ليعرف أنّهما مجتمعان في ذاته ، وأنّ ذاته المقدّسة موصوفة بهما على الاجتماع ، فهو في حالة اتّصافه ب (شَدِيدِ الْعِقابِ) ذو الطول ، وفي حالة اتّصافه ب (ذِي الطَّوْلِ) شديد العقاب ، فحسن ترك العطف بهذا المعنى. وفي الآية التي نحن فيها يتّضح معنى العطف وتركه ممّا ذكرناه ؛ لأنّ كلّ صفة ممّا لم تنسق بالواو مغايرة للأخرى. والغرض أنّهما في اجتماعهما كالوصف الواحد لموصوف واحد ، فلم يحتج إلى عطف ، فلمّا ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما متلازمان أو كالمتلازمين ، مستمدّان من مادة واحدة كغفران الذّنب وقبول التوبة حسن العطف ، ليبيّن أنّ كلّ واحد متعبد به على حدته ، قائم بذاته ، لا يكفي منه ما يحصل في ضمن الآخر ، بل لا بدّ أن يظهر أمره بالمعروف بصريح الأمر ، ونهيه عن المنكر بصريح النهي ، فاحتاج إلى العطف. وأيضا لمّا كان الأمر والنهي ، ضدين ؛ أحدهما طلب الإيجاد والآخر طلب الإعدام كانا كالنوعين المتغايرين في قوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] فحسن العطف بالواو (١).
الكلام في قوله تعالى : (اسْتَطْعَما أَهْلَها)
كتب الصلاح الصفدي إلى الشيخ تقي الدين السبكي يسأله عن قوله تعالى : (اسْتَطْعَما أَهْلَها) [الكهف : ٧٧](٢) [الطويل]
__________________
(١) انظر البحر المحيط (٥ / ١٠٣) ، وبدائع الفوائد (١ / ١٩٢).
(٢) انظر كتاب فتاوى السبكي (١ / ٧٥).