في كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف في النحو) (١) : «مسألة : ذهب الكوفيّون إلى أن أفعل في التعجّب نحو «ما أحسن زيدا» اسم ، والبصريّون إلى أنّه فعل ، وإليه ذهب الكسائي». ثم قال : «والذي يدلّ على أنّه ليس بفعل وأنّه ليس التقدير فيه شيء أحسن زيدا قولهم : «ما أعظم الله» ولو كان التقدير فيه ما زعمتم لوجب أن يكون التقدير «شيء أعظم الله» ، والله تعالى عظيم لا بجعل جاعل ، وقال الشاعر : [البسيط]
٦٣١ ـ ما أقدر الله أن يدني على شحط |
|
من داره الحزن ممّن داره صول |
ولو كان الأمر على ما زعمتم لوجب أن يكون التقدير فيه : شيء أقدر الله ، والله تعالى قادر لا بجعل جاعل. واحتجّ البصريون بأمور» ثمّ قال : «والجواب عن كلمات الكوفيين» ثم قال : «وأما قولهم في «ما أعظم الله» قلنا : معنى : «شيء أعظم الله» ، أي وصفه بالعظمة ، كما تقول : عظّمت عظيما. ولذلك الشيء ثلاثة معان.
أحدها : أن يعنى بالشيء من يعظّمه من عباده ، والثاني : أن يعنى بالشيء ما يدلّ على عظمة الله تعالى ، وقدرته في مصنوعاته ، والثالث : أن يعنى به نفسه أي : أنّه عظيم لنفسه لا لشيء جعله عظيما ، فرقا بينه. وبين غيره. وحكي أنّ بعض أصحاب المبرّد (٣) قدم إلى بغداد قبل قدوم المبرّد ، فحضر حلقة ثعلب فسئل عن هذه المسألة فأجاب بجواب أهل البصرة وقال : التقدير شيء أحسن زيدا ، فقيل له ما تقول في «ما أعظم الله» فقال : شيء أعظم الله ، فأنكروا عليه ، وقالوا : لا يجوز ، إنّه عظيم لا بجعل جاعل ، ثمّ سحبوه من الحلقة فأخرجوه ، فلمّا قدم المبرّد أوردوا عليه هذا الإنكار فأجاب بما قدمناه ، فبان بذلك قبح إنكارهم وفساد ما ذهبوا إليه. وقيل : يحتمل أن يكون قولنا : «شيء أعظم الله» بمنزلة الإخبار أنّه عظيم ، لا شيء جعله عظيما لاستحالته. وأمّا قول الشاعر (٤) : [البسيط]
ما أقدر الله [أن يدني على شحط |
|
من داره الحزن ممّن داره صول] |
__________________
(١) انظر الإنصاف (ص ١٢٦).
٦٣١ ـ الشاهد لحندج بن حندج المريّ في الدرر (٦ / ٢٦٦) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ١٨٣١) ، وتاج العروس (صول) ، ومعجم البلدان (صول) ، والمقاصد النحوية (١ / ٢٣٨) ، وبلا نسبة في الإنصاف (١ / ١٢٨) ، وشرح الأشموني (١ / ٤٥) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٦٧).
(٢) انظر مجالس العلماء للزجاجي (ص ١٦٤).
(٣) مرّ الشاهد رقم (٦٣١).