ولا يمكن عطفها على المنفي لما قيل : إنّه يلزم نفيه مرّتين.
وقولك : إنّ النفي الأوّل عامّ والثاني خاصّ صحيح ، لكنّه ليس في مثل «جاء زيد لا عمرو» لما ذكرنا أنّ النفي في غير زيد مفهوم ، وفي عمرو منطوق ، وفي الناس المستثنى منه منطوق ، فخالف ذلك الباب.
وقولك : فأسوأ درجاته أن يكون مثل «ما قام الناس ولا زيد» ممنوع ، وليس مثله ، لأنّ العطف في «ولا زيد» ليس ب «لا» بل بالواو ، وللعطف ب «لا» حكم يخصّه ليس للواو ، وليس في قولنا : «ما قام الناس ولا زيد» أكثر من خاصّ بعد عامّ.
هذا ما قدّره الله لي في كتابتي جوابا للولد ، فالولد بارك الله فيه ينظر فيه ، فإن رضيه ، وإلّا فيتحف بجوابه والله أعلم.
الحلم والأناة ، في إعراب (غير ناظرين إناه) (١)
تأليف قاضي القضاة تقيّ الدّين أبي الحسن السّبكي ـ رحمه الله تعالى ـ ، وفيه يقول الصّلاح الصّفديّ :
يا طالب النّحو في زمان |
|
أطول ظلّا من القناه |
وما تحلّى منه بعقد |
|
عليك بالحلم والأناه |
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم. قال شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين السّبكي رحمه الله تعالى :
قوله تعالى : (... لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ...) [الأحزاب : ٥٣] ، الذي نختار في إعرابها أنّ قوله : «أن يؤذن لكم إلى طعام» حال ، ويكون معناه : مصحوبين ، والباء مقدّرة مع (أن) ، تقديره (بأن) أي مصاحبا. وقوله : «غير ناظرين إناه» حال بعد حال ، والعامل فيهما لفعل المفرّغ في «لا تدخلوا» ، ويجوز تعدّد الحال.
وجوّز الشيخ أبو حيّان أن تكون الباء للسّببيّة ، ولم يقدّر الزمخشري حرفا ألصلا بل قال : «أن يؤذن : في معنى الظّرف ، أي : وقت أن يؤذن» (٢). وأورد عليه أبو حيّان بأنّ ، (أن) المصدريّة لا تكون في معنى الظّرف ، وإنّما ذلك في المصدر الصّريح نحو : أجيئك صياح الدّيك ، أي : وقت صياح الدّيك ، ولا تقول : أن يصيح (٣).
__________________
(١) انظر فتاوى ابن السبكي (١ / ١٠٥).
(٢) انظر الكشاف (٣ / ٢٧٠).
(٣) انظر البحر المحيط (٧ / ٢٣٧).