ومنها : أنّ النحويين لم يريدوا بقولهم : إنّ الحال فضلة في الكلام أنّ الحال مستغنى عنها في كلّ موضع على ما يتوهّم من لا دربة له بهذه الصناعة ، وإنّما معنى ذلك أنّها تأتي على وجهين : إمّا أن يكون اعتماد الكلام على سواها والفائدة منعقدة بغيرها ، وإمّا أن تقترن بكلام تقع الفائدة بهما معا ولا تقع الفائدة بها مجرّدة ، وإنما كان ذلك لأنّها لا ترفع ولا يسند إليها حدث واعتماد كل جملة مفيدة إنما هو على الاسم المرفوع الذي أسند إليه الحدث أو ما هو في تأويل المرفوع ، ولا تنعقد فائدة بشيء من المنصوبات والمجرورات حتى يكون معها مرفوع أو ما هو في تأويل المرفوع ، كقولنا : ما جاءني من أحد ، وإنّ زيدا قائم ، فتأمّل هذا الموضع فإنّه يكشف عنك الحيرة في أمر الحال وفيه لطف وغموض.
وأمّا القيام الذي وصف الله تعالى به نفسه في هذه الآية فليس يراد به المثول والانتساب لأن هذا من صفة الأجسام تعالى الله عن ذلك ، وإنما المراد بالقيام هاهنا القيام بالأمور والمحافظة عليها ، يقال : فلان يقوم بأمر فلان أي : يعنى به ويهتبل بشأنه ، ومنه قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) [النساء : ٣٤] ، أي : متكلّفون بأمورهنّ ومعنيّون بشؤونهنّ ، ومنه قول الأعشى : [المتقارب]
٥٧٩ ـ يقوم على الوغم في قومه |
|
فيعفو إذا شاء أو ينتقم |
الكلام في قولنا : يا حليما لا يعجل
سألت وفّقك الله عن قولنا في الدعاء : يا حليما لا يعجل ويا جوادا لا يبخل ويا عالما لا يجهل ، ونحو ذلك من صفات الله تعالى ، وقلت : كيف يصحّ أن يقال في مثل هذا : منادى منكور والقصد به إلى الله تعالى؟ وإن كان معرفة فكيف انتصب وخرج مخرج التنكير؟ وهذا سؤال من لم يتمهّر في معرفة اللسان العربي ، واعتراض من لم يتصوّر غرض هذه الصناعة تصوّرا صحيحا ، وأنا أعلمك لم ذلك وأشرح لك ما التمسته شرحا يسرو عنك ثوب الحيرة ، ويزيل عنك عارض هذه الشبهة إن شاء الله تعالى ، فأقول وبالله التوفيق : إنّ الوجه في هذا وما أشبهه من صفات الله تعالى أن يقال فيه : إنه منادى مخصّص ، وهذه عبارة غير معتادة عند النحويين ، وإنما جرت عادتهم في نحو هذا أن يسمّوه المنادى المشبّه بالمضاف والمنادى الممطول أي المطوّل ، من قولك مطلت الحديدة إذا مددتها ، ومنه اشتقّ المطل في الوعد ، ومعنى
__________________
٥٧٩ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ٨٩) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة (٦ / ١٢٧) ، وشرح السبع الطوال (ص ٢٧٣).