ابن عصفور في (شرح الجمل). فأوجب تكرار النّافي عند تكرار الفعل ، ولكنّه صرّح بالفعل مع النّافي ، وقد بيّنا أنّ تكرار النّافي كاف لأنّه مستلزم تكرير الفعل.
إذا تقرّر هذا فنقول : إذا كرّر الحالف النّافي فهي أيمان لما بيّنا من أنّ تكرار (لا) يؤذن بتكرار الفعل وصار قوله : «والله لا كلّمت زيدا ، ولا عمرا ولا بكرا» بمنزلة قوله : «والله لا كلّمت زيدا ، ولا ماشيت عمرا ، ولا رأيت بكرا». وهذه أيمان قطعا ، يجب في كلّ منها كفّارة ، فكذلك في المثال المذكور ، لا يفترقان إلّا فيما يرجع إلى التّصريح والتّقدير ، وكون الأفعال متّحدة المعنى أو متعدّدة ، وكلا الأمرين لا أثر له.
وإذا لم يكرّر النّافي فالكلام محتمل لليمين والأيمان بناء على نيّة الفعل وعدمها وإنّما حكموا بأنّها يمين واحدة بناء على الظاهر ، كما أنّهم لم يحكموا باتحاد اليمين مع تكرار (لا) ، مع احتمالها للزّيادة كما في قوله تعالى : (وَلَا النُّورُ) بعد قوله سبحانه وتعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) [فاطر : ٢٠] لأنّه خلاف الظّاهر. نعم ، إن قصد المتكلّم بقوله : «والله لا كلّمت زيدا وعمرا» معنى : ولا كلّمت عمرا ، فهو يمينان لأنّ ذلك أحد محتملي الكلام ، وقد نواه ؛ وإن قصد بقوله : «لا كلّمت زيدا ولا عمرا» معنى «لا كلّمت زيدا وعمرا» الذي لم يضمر فيه الفعل ، وقدّر (لا) زائدة فيمين واحدة ، لا يلزمه في نفس الأمر إلّا كفّارة واحدة وإن كان قد يلزم في الحكم بخلاف ذلك ، بناء على ظاهر لفظه.
وقد يقال بامتناع هذا الوجه بناء على أنّ (لا) إنّما تزاد إذا كان في اللفظ ما يشعر بذلك كقرينة قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي ..) فإنّ الاستواء لا يعقل منسوبا إلى واحد ، وكذلك قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] فإنّ من المعلوم أنّ التّوبيخ على امتناعه من السّجود ، لا على امتناعه من نفي السّجود ؛ لأنّه إذا امتنع من نفيه كان مثبتا له. فأمّا المثال المذكور فلا دليل فيه على ذلك ، فلا تكون (لا) فيه إلّا نافية ، الله أعلم.
الكلام في (إنّما)
ومن فوائده أيضا تغمّده الله تعالى برحمته : اعلم أنّ الكلام في (إنّما) في موطنين ؛ أحدهما لفظيّ ، والآخر معنويّ. أمّا اللّفظي : فمن جهة بساطتها أو تركيبها ، وأمّا المعنويّ : فمن جهة إفادتها الحصر أو عدم إفادتها له.