وأقول : جوّز التنازع في هذا النحو جماعة منهم : أبو بكر بن طاهر (١) في (طرر الإيضاح) ، وأبو الحسن بن الباذش (٢) في حواشيه ، ونقله بعضهم عن الفارسي. وهو لازم لجماعة منهم الأستاذ أبو عليّ الشّلوبين ـ رحمهم الله تعالى ـ لأنهم أجازوا في قول الله سبحانه : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى : ٤٣] كون (من) موصولة مخبرا عنه ب (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ*) والرابط بينهما الإشارة إلى المصدر المفهوم من فعل الصّلة المقدّر إضافته إلى ضمير (من) أي : إنّ صبره وغفرانه ، فقد جعلوا الارتباط حاصلا بالإشارة إلى المصدر المقدّر ارتباطه بالمبتدأ بمنزلة الإشارة إلى نفس المبتدأ في نحو : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف : ٢٦] ، فيلزمهم في مسألتنا الارتباط بالضمير العائد على الغريم ، لأنّه مرتبط بضمير المبتدأ بل تجويز هذا في مسألتنا أقيس من تجويزه في الآية الكريمة لوجهين :
أحدهما : أنّ الضمير هو الأصل في باب الرّبط فلا بعد في أن يكون التوسّع فيه أكثر.
والثاني : أنّ باب التنازع تجوّزوا فيه في الإضمار ، فأعادوا الضمير على ما تأخّر لفظا ورتبة نحو : «ضربوني وضربت قومك» ، وأعادوا فيه الضمير مفردا على المثنّى والمجموع فقالوا : «ضربني وضربت قومك» على معنى : ضربني من ثمّ ، كذا قدّره سيبويه (٣). ولم يتجوّزا بذلك في باب المبتدأ ، ألا ترى أنّه لا يجوز «صاحبها في الدّار» ولا «الزيدان قام» بمعنى : قام من ثمّ. وإذا انتفى ذلك ظهر أنّ مسألتنا أولى بالإجازة ، ثمّ إنا إذا سلّمنا امتناع التنازع لما ذكروا نمنع تعميم المنع فنقول : تعليق المنع بكون المعمول سببيّا تعميم فاسد ، لأنّهم أسندوا المنع لعدم الارتباط ، وذلك ليس موجودا في كلّ سببيّ على تقدير التّنازع فيه ، لأنّه إذا كان العاملان متعاطفين بفاء السّببية ، أو بواو العطف وهما مفردان ، فإنّ الارتباط حاصل من جهة العاطف وإن فقد من جهة الضمير ، لأنّ فاء السببيّة تنزل الجملتين كالجملة الواحدة لأنّهما سبب ومسبّب ، والواو في المفردات للجمع ، لهذا أجازوا الاكتفاء بضمير واحد في نحو :
__________________
(١) أبو بكر بن طاهر : هو محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي ، المعروف بالخدبّ ، نحويّ حافظ اشتهر بتدريس الكتاب وله على الكتاب طرر مدونة مشهورة اعتمدها تلميذه ابن خروف في شرحه ، وله تعليق على الإيضاح ، وغير ذلك. ترجمته في بغية الوعاة (١ / ٢٨).
(٢) أبو الحسن بن الباذش : هو علي بن أحمد بن خلف بن محمد الأنصاري الغرناطي ، من مصنّفاته : شرح كتاب سيبويه ، والمقتضب ، وشرح أصول ابن السرّاج ، وشرح الإيضاح ، وشرح الجمل ، وشرح الكافي للنحاس. (ت ٥٢٨ ه). ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ١٤٢).
(٣) انظر الكتاب (١ / ١٣٢).