الفعل إنّما يصير موجبا بمقارنة (إلّا) لمعموله لفظا أو معنى ، فإذا لم يقترن بها لفظا ولا معنى فهو باق على النّفي ، والمقصود بخلاف ذلك.
وإذا امتنع التنازع فيما ذكرنا فاعلم أنّه محمول على الحذف. وممّن نصّ على ذلك ابن الحاجب وابن مالك فأصله «ما قام أحد ولا قعد إلّا زيد» فحذف (أحد) من الأوّل لفظا واكتفي بقصده ودلالة النفي والاستثناء عليه كما جاء (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) [النساء : ١٥٩] ، (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ، أي : ما من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمننّ به ، وما منّا أحد إلّا له مقام ، وذهب بعضهم إلى أنّ نحو ذلك من باب التّنازع ، وليس بشيء لما شرحناه. ولم يذكر ابن مالك هذا الشّرط في صدر باب التّنازع فاقتضى ظاهر كلامه أنّه منه ، ثمّ قال في أثناء الباب : «ونحو «ما قام وقعد إلّا زيد» محمول على الحذف لا على التنازع خلافا لبعضهم» وكان حقّه أن يذكره حيث تعرّض لذكر شروط التّنازع. وذكر ابن الحاجب شرطا في المعمول غير ما ذكرناه ، وهو ألّا يكون ضميرا ، وقال في توجيه ذلك : لأنّ العاملين إذا وجّها إلى مضمر استويا في صحّة الإضمار فيه فلا تنازع في نحو : «ضربت وأكرمت» وردّ عليه ابن مالك بأنّ هذا منه تقرير بأنّه لا يتأتّى في المضمر صورة تنازع ، فلا وجه لهذا الاحتراز لأنّ قولنا : إذا تنازع العاملان ، لا يمكن تناوله لذلك ، وقد يقال إنّ هذا إنّما ذكر للإعلام من أوّل الأمر بصورة التّنازع لا للاحتراز عن صورة يتأتّى فيها صورة التّنازع في الضمير ، ولا يحكم النحويّون بأنّه من التنازع. ثم إنّ هذا المعترض قد ذكر من شروط التنازع تأخير المعمول ، وأقام الدليل على أنه لا يتأتّى ولا يتصوّر في غيره وهو نظير ما اعترض به على أبي عمرو.
فإن قلت : إنّ الحجّة التي احتجّ بها أبو عمرو على أنّ التّنازع لا يتأتّى في المضمر ، إنّما يستمرّ في المضمر المتّصل ، فأمّا المنفصل فيمكن التجاذب بين العاملين فيه ، نحو : «ما قام وقعد إلّا أنا».
قلت : قد مضى أنّ ذلك إنّما يتّجه على الحذف كما شرحناه.
وأمّا الشّرط الذي بينهما : فتقدّم العاملين وتأخّر المعمول. قال ابن مالك : «وإنّما لم يتأتّ التنازع بين عاملين متأخّرين نحو : «زيد قام وقعد» لأنّ كلّا من المتأخّرين مشغول بمثل ما يشغل به الآخر من ضمير الاسم السابق ، فلا تنازع بخلاف المتقدّمين نحو : «قام وقعد زيد» فإنّ كلّا من الفعلين متوجّه في المعنى إلى (زيد) وصالح للعمل في لفظه وأعمل أحدهما في ظاهره والآخر في ضميره» انتهى بنصّه.