وافترقوا. فرأيت أنّ الناظر في ذلك لا يحصل منه بعد الكدّ والتّعب إلّا على الاضطراب والشّغب. فاستخرت الله في وضع تأليف مهذّب أبيّن فيه ما أجمل ، واستئناف تصنيف مرتّب ، أورد فيه ما أهل وسمّيته : (فوح الشّذا بمسألة كذا) ، وبالله تعالى أستعين وهو حسبي ونعم المعين ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
وينحصر في خمسة فصول :
الفصل الأول
في ضبط موارد استعمالها
اعلم أنّ ل (كذا) استعمالين :
أحدهما : أن يستعمل كلّ من جزأيها على أصله ، فيراد بالكاف التشبيه ، وب (ذا) الإشارة ، ولا يراد بمجموعهما الكناية عن شيء. فهذه بمعزل عمّا نحن فيه ، ذلك كقولك : رأيت زيدا فقيرا وعمرا كذا ، وقول الشاعر : [مجزوء الوافر]
٦٦٧ ـ وأسلمني الزّمان كذا |
|
فلا طرب ولا أنس |
ويكون اسم الإشارة في هذا النوع باقيا على معناه ، يصحّ أن يسبقه حرف التنبيه وأن يليه كاف الخطاب ولام البعد ، ألا ترى أنّك لو قلت في المثال : «.... ورأيت عمرا هكذا» ، و: «.... كذاك» و: «.... كذلك» ، وقلت في البيت : «وأسلمني الزمان هكذا» ، كان مستقيما!!. إلّا أنّ حرف التنبيه هنا متقدّم على الكاف كما أريتك ، وإنّما القاعدة فيه مع سائر حروف الجرّ أن يتأخّر عنها كقولك : (بهذا) أو (لهذا) ، إلّا في هذا الموضع خاصّة قال أبو الطيّب : [الخفيف]
٦٦٨ ـ ذي المعالي فليعلون من تعالى |
|
هكذا هكذا وإلّا فلالا |
والثاني : أن يخرج كلّ من الجزأين عن أصله ويستعمل المجموع كناية. وهذه على ضربين :
أحدهما : أن تكون كناية عن غير عدد ، كقولك : «مررت بدار كذا». واعتقادي في هذه أنّها إنّما يتكلّم بها من يخبر عن غيره ، وأنّها تكون من كلامه لا
__________________
٦٦٧ ـ الشاهد بلا نسبة في شرح الأشموني (٣ / ٦٤٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٥١٤) ، ومغني اللبيب (١ / ١٨٧).
٦٦٨ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (٣ / ٢٥٤) بشرح البرقوقي.