وهل ثمّ حكمة خفيّة أو نكتة معنويّة أو تحكّم بحت؟ بل هذا مستبعد في مثله ، فإن رأيتم كشف الرّيبة وإماطة الشّبهة والإنعام بالجواب ، أثبتم أجزل الأجر والثّواب.
جواب الجاربردي : فكتب العلّامة فخر الدين الجاربردي وعقّد ، تمنّي الشعور معلّقا بالاستعلام لما وقع بالدّخيل مع الأصيل الأدخل في الإبهام ، أشعر بأنّ المتمنّي تحقّق ثبوت شيء ما منها والانتفاء رأسا ، ولا يستراب أن انتفاء الفائدة اللفظية والفائدة المعنوية يجعل التخصيص تحكّما ساذجا فإن رفع الإبهام ينصب البعض للتكثير الثاني خبر ما فما مغزى التخصيص على البيان فاضرب عن الكشف صفحا مجانبا الاستدراك كما في الاستكشاف ، وإن ريم ما يعنى بالتحقيق فيه والأخصّ في الاستعمال فزيغ الدّاله لا زلة خبير كعثرة عثارها للادخل بمنزلة في أنزلنا أولا بشهادة الدّغدغة لعثوره عليها في أنزلنا ثانيا ، والتبيين جنس التعيين ، فإنها من بنات خلعت عليهنّ الثياب ثم فنتهنّ وحثوت عليهنّ التراب : [الطويل]
٥٨٣ ـ فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى |
|
فلا خير في اللّذّات من دونها ستر |
[الكامل]
٥٨٤ ـ إنّي امرؤ أسم القصائد للعدى |
|
إنّ القصائد شرّها أغفالها |
ردّ العضد : فكتب العضد على الجواب : أقول وأعوذ بالله من الخطأ والخطل ، وأستعفيه من العثار والزّلل : الكلام على هذا الجواب من وجوه :
الأول : أنّه كلام تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطّباع ، ككلمات المبرسم غير منظوم ، وكهذيان المحموم ليس له مفهوم ، كم عرض على ذي طبع سليم وذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤدّاه ، وكفى وكيلا بيني وبينك كل من له حظّ من العربية وذكاء ما مع الممارسة لشطر من الفنون الأدبية.
الثاني : لمّا أجمل الاستفهام لشدّة الإبهام فسّره بما لا يدلّ عليه بمطابقة ولا بتضمّن ولا بالتزام ، وحاصله أنّ ثبوت أحد الأمرين هاهنا محقّق ، وإنما التردّد في التّعيين ، فحقيق بأن يسأل عنه بالهمزة مع (أم) دون هل مع أو ، فإنّه سؤال عن أصل الثبوت.
الثالث : أنّا لا نسلّم تحقّق أحد الأمرين حقيقة لجواز أن لا يكون لحكمة خفيّة
__________________
٥٨٣ ـ البيت لأبي نواس في ديوانه (ص ٢٨).
٥٨٤ ـ الشاهد بلا نسبة في أساس البلاغة (غفل) و (وسم) ، ولبشامة بن الغدير في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٣٩٤).