وأنا أسمع وهو يسمع ، فأقرّ به في شوّال من سنة تسعين وأربعمائة. قال أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن الدهّان قراءة عليه ، قال : أخبرنا أبو أحمد عبد السّلام بن الحسين بن محمّد بن عبد الله البصريّ قال : أخبرنا بها فيما كتب إلينا أبو الحسن عليّ بن محمّد الشّمشاطي من الموصل قال :
قال أبو إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزّجّاج ـ رضي الله عنه ـ : دخلت على أبي العبّاس ثعلب في أيّام أبي العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد وقد أملى شيئا من (المقتضب) ، فسلّمت عليه وعنده أبو موسى الحامض وكان يحسدني شديدا ، ويجاهرني بالعداوة ، وكنت ألين له وأحتمله لموضع الشيخوخة والعلم ، فقال لي أبو العبّاس ثعلب : قد حمل إليّ بعض ما أملاه هذا الخلديّ ، فرأيته لا يطوع لسانه بعبارته. فقلت له : إنّه لا يشكّ في حسن عبارته اثنان ، ولكنّ سوء رأيك فيه يعيبه عندك فقال : ما رأيته إلّا ألكن متفلّقا فقال أبو موسى : والله إنّ صاحبهم ألكن ـ يعني سيبويه ـ ، فأحفظني ذلك. ثمّ قال : بلغني عن الفرّاء أنّه قال : دخلت البصرة فلقيت يونس وأصحابه فسمعتهم يذكرونه بالحفظ والدّراية وحسن الفطنة فأتيته فإذا هو أعجم لا يفصح ، سمعته يقول لجاريته : هات ذيك الماء من ذاك الجرّة ، فخرجت من عنده ولم أعد إليه ، فقلت له : هذا لا يصحّ عن الفرّاء وأنت غير مأمون في هذه الحكاية ، ولا يعرف أصحاب سيبويه من هذا شيئا. وكيف تقول هذا لمن يقول في أوّل كتابه : «هذا باب علم ما الكلم من العربيّة» وهذا يعجز عن إدراك فهمه كثير من الفصحاء فضلا عن النّطق به. قال ثعلب : قد وجدت في كتابه نحوا من هذا. قلت : ما هو؟ قال : يقول في كتابه في غير نسخة «(حاشا) حرف يخفض ما بعده كما تخفض (حتّى) وفيها معنى الاستثناء» (١) فقلت : هذا هكذا في كتابه ، وهو صحيح ، ذهب في التّذكير إلى الحرف ، وفي التّأنيث إلى الكلمة.
قال : والأجود أن يحمل الكلام على وجه واحد.
الحمل على اللفظ والمعنى : قلت : كلّ جيّد ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) [الأحزاب : ٣١] وقرئ : ويعمل صالحا. وقال عزّ وجلّ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢] ذهب إلى المعنى ، ثمّ قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٣] ذهب إلى اللّفظ. وليس لقائل أن يقول لو حمل الكلام على وجه واحد في الآيتين كان أجود لأنّ كلّ هذا جيّد. فأمّا نحن
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٣٦٨).