اشتققن منه ، فلسن كالفعل في دلالته على الحدث والزمان ، لأنّ الفعل وضع ليدلّ على هذين المعنيين معا ، فقولنا : (دلالة الوضع) يزيح عن هذا الحدّ اعتراض من اعترض على الحدّ الأوّل بمضرب الشّول وإخوته. فإذا تأمّلت الأسماء كلّها حقّ التأمل وجدتها لا يخرج شيء منها عن هذا الحدّ على اختلاف ضروبها في الإظهار والإضمار ، وما كان واسطة بين المظهر والمضمر ، وذلك أسماء الإشارة ، وعلى تباين الأسماء في الدّلالة على المسميّات من الأعيان والأحداث ، وما سمّيت به الأفعال من نحو : (صه) و (إيه) و (رويد) و (بله) و (أفّ) و (هيهات) ، فالمسمّى ب (صه) قولك أسكت ، وب (إيه) حدّث ، وب (رويد) أمهل ، وب (بله) دع وب (أفّ) أتضجّر ، وب (هيهات) بعد ، وكذلك ما ضمّن معنى الحرف نحو : (متى) و (أين) و (كم) و (كيف) ، (فمتى) وضع ليدلّ على الأزمنة ، و (أين) على الأمكنة ، و (كم) على الأعداد ، و (كيف) على الأحوال.
وهذه الكلم ونظائرها من نحو : (من) و (ما) و (أيّان) و (أنّى) ممّا طعن به على الحدّ الأوّل لقول قائله : «كلمة تدلّ على معنى في نفسها» فقال الطّاعن : إنّ كلّ واحد من هذه الأسماء قد دلّ على الاستفهام أو الشّرط وعلى معنى آخر كدلالة (أين) على المكان وعلى الاستفهام أو الشّرط وكذلك (متى) و (من) و (ما) فقد دلّ الاسم منها على معنيين كدلالة الفعل على معنيين : الزمان المعيّن والحدث.
وليس لمعترض أن يعترض بهذا على الحدّ الذي قرّرناه لأنّنا قلنا : «ما دلّ على مسمّى به دلالة الوضع ولم نقل ما دلّ على معنى».
المسألة الرابعة (١) : السؤال عن قول الشاعر ـ وهو يزيد بن الحكم الثّقفيّ (٢) ـ : [الطويل]
فليت كفافا كان خيرك كلّه |
|
وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي |
تعريب هذا البيت قد تقدّم فيما سلف من الأمالي ولكنّا أعدنا تعريبه هاهنا لزيادة فائدة وإيضاح مشكل ، ولكونه في جملة المسائل الواردة.
فنقول : إنّ اسم (ليت) محذوف وهو ضمير الشّأن والحديث. وحذفه ممّا لا يسوغ إلّا في الضّرورة ومثله : [الطويل]
__________________
(١) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٩٤).
(٢) مرّ الشاهد رقم (٦٧٨).