ثمّ قال : ومرّ بي بعد هذا في تعليقي كلام للشيخ أبي عليّ ، أنا حاكيه على الوجه ، وهو أنّه أورد البيت ثمّ قال بعد إيراده : (ليت) محمول على إضمار الحديث و (كفافا) خبر (كان) ، فأمّا قوله : «وشرّك عنّي ما ارتوى الماء مرتوي» ، فقياس من أعمل الثاني أن يكون (شرّك) مرتفعا بالعطف على (كان) ، و (مرتوي) في موضع نصب ، إلّا أنّه أسكن في الشّعر مثل (١) : [الوافر]
كفى بالنّأي من أسماء كافي |
|
[وليس لحبّها ما عشت شافي] |
ومن أعمل الأوّل نصب (شرّك) بالعطف على (ليت) و (مرتوي) في موضع رفع لأنّه الخبر و «ما ارتوى الماء» في موضع نصب ظرف يعمل فيه (مرتوي) هذا ما ذكره أبو عليّ. ثمّ قال العبديّ : وفد تقدّمت مطالبتي بفاعل (ارتوى). وإذا ثبت ما ذكرته علم أنّ الأمر على ما قلته ، والمعنى عليه لا محالة. انتهى كلام العبدّي.
وقد مرّ بي كلام لأبي عليّ في التذكرة يشير فيه إلى ما قاله العبديّ ، واختيار أبي عليّ على ما اختاره في هذا البيت ـ من كون (مرتوي) خبرا لكان ، أو (ليت) مع صحّة إسناد (ارتوى) إلى (مرتوي) معنى وإعرابا ـ من مراميه البعيدة.
المسألة الخامسة (٢) : وأمّا (مزيّن) فلفظة تحتمل معنيين لكلّ واحد منهما وزن غير وزن الآخر ، أحدهما : أن تكون عبارة عن مكبّر ووزنه مفعّل وهو اسم الفاعل من قولك : زيّن يزيّن فهو مزيّن ، كقولك : بيّن يبيّن فهو مبيّن والآخر : أن تكون عبارة عن مصغّر ووزنه مفيعل وهو مصغّر (مزدان) و (مزدان) أصله (مزتين) مفتعل من الزّينة ، فقلبت ياؤه ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار إلى (مزتان) ، وكره اجتماع الزّاي والتاء لأنّ الزاي مجهور والتاء حرف مهموس ، فكرهوا التنافر فأبدلوا التاء دالا ، لأنّ الدّال توافق الزاي في الجهر وتقارب التّاء في المخرج ، ولمّا أريد تصغير (مزدان) وعدّة حروفه خمسة اثنان زائدان الميم والدّال ، ووجب أن يردّ إلى أربعة ، بحذف أحد الزائدين لم يخل من أن يحذف الميم أو الدّال فكان حذف الدال أولى لأمرين : أحدهما : أنّ الميم تدلّ على اسم الفاعل ، والحرف الدالّ على معنى أولى بالمحافظة عليه ، والثاني : أنّ الدّال أقرب من الطّرف ، والطّرف وما قاربه أحقّ بالحذف. ولمّا حذفت الدّال ، بقي (مزان) فقيل في تصغيره (مزيّن) ، كقولك في تصغير (غراب)
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٦٨٩).
(٢) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٩٨).