ولسانه ، خاتمة المجتهدين بركة المؤمنين أستاذ الأستاذين قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السّبكي ، لا زالت رباع الشّرع معمورة بوجوده ورياض الفضل مغمورة بجوده ، ويرحم الله عبدا قال : آمينا ، إذ وصلت إلى قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] فرأيت عند بعض من الفضلاء الحاضرين شيئا من كلام القاضي عضد الدّين الشيرازي على كلام والدي الذي كتبه على سؤاله المشهور عن الفرق بين (فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزّلنا) و (فأتوا من مثل ما نزّلنا بسورة) ، فأخذت منه رجاء أن أطّلع على بدائع من رموزه ، وودائع من كنوزه ، فوجدته قد فطم عن ارتضاع أخلاف التحقيق ، وحرم عن الاغتراف من بحر التدقيق ، جعل الإيراد عنادا ، والمنع ردعا ، والرّدّ صدّا ، والسؤال نضالا والجواب عيّابا فركب متن عمياء وخبط خبط عشواء وقال ما هو تقوّل وافتراء ، وكلام والدي عنه براء ، كأنّه طبع على اللّفاء أو جبلت طينته من المراء ، فمزج الشّهد بالسّمّ وأكل الشعير وذمّ ، فأضحكت حركة البهمة في استيفاء القصاص ، فكتبت هذه الرسالة المسمّاة بالسيف الصّارم في قطع العضد الظالم ، ولأجازينّه عن حسناته العشر بأمثالها ، قال الله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١] وقال تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [المائدة : ٤٥] ، وجراحة اللّسان أعظم من جراحة السّنان ، قال الشاعر : [الوافر]
٥٨٦ ـ جراحات السّنان لها التئام |
|
ولا يلتام ما جرح اللّسان |
وقال آخر : [الهزج]
٥٨٧ ـ وبعض الحلم عند الجه |
|
ل للذّلّة إذعان |
وفي الشّرّ نجاة حي |
|
ن لا ينجيك إحسان |
وقال آخر : [البسيط]
٥٨٨ ـ لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم |
|
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا |
وأسأل الله التوفيق ، وبيده أزمّة التحقيق ، أقول : أيّها السّائل رحمك الله ، أمّا
__________________
٥٨٦ ـ الشاهد بلا نسبة في تاج العروس (كلم) ، وليعقوب الحمدوني في العقد الفريد (٢ / ٤٤٥).
٥٨٧ ـ البيت الأول للفند الزمّاني في أمالي القالي (١ / ٢٦٠) ، وحماسة البحتري (ص ٥٦) ، وخزانة الأدب (٣ / ٤٣١) ، والدرر (٥ / ٢٥٠) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٩٤٤) ، والمقاصد النحوية (٣ / ١٢٢) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني (٢ / ٣٣٨) ، وهمع الهوامع (٢ / ٩٣).
٥٨٨ ـ البيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب في الأضداد (ص ٤٨) ، والمؤتلف والمختلف (ص ٤١) ، والخزانة (٣ / ٥٢١).