وأحلف بجروة الكذوب (١) ... لأن آزم صابة أو مقرا (٢) آثر لديّ من أن أتكلّم في هذه الصّناعة كلمة. وقد تكلّفت الإجابة فإن أخطأت فمنبت الخطأ ومعدنه غاو تعرّض لما لا يحسنه وإن أصبت فلا أحمد على الإصابة. ربّ دوراء ينفع وصفه من ليس بآس ، وكلمة حكم تسمع من حليف وسواس.
تمت الرسالة بحمد الله وعونه ، ولطفه وصونه ، والحمد لله على أفضاله ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
لا النافية للجنس
قال ابن الشجري في (أماليه) (٣) : كتب إليّ رجل من أماثل كتّاب العجم يسأل عن هذا البيت ، أصحيح إعرابه أم فاسد ، وذكر أنّه لشاعر أصفهانيّ من أهل هذا العصر : [الطويل]
٧٣١ ـ يؤلّل عصلا لا بناهنّ هينة |
|
ضعافا ولا أطرافهنّ نوابيا |
رفع (بناهنّ) ب (لا) ونصب (هينة) بأنّه خبرها. وإنّما فعل ذلك لينصب القافية ، لأنّه لمّا أعمل (لا) الأولى هذا العمل أعمل (لا) الثّانية عمل الأولى. ولحّنه في هذا نحويّ من أهل أصفهان ، لأنّه جعل اسم (لا) معرفة وقال : إنّ من شبّه (لا) بليس من العرب ، رفعوا بها النكرة دون المعرفة.
فأجبت عن هذا : بأنّي وجدت قوما من النّحويّين معتمدين على أنّ (لا) المشبّهة بليس إنّما ترفع النكرات خاصّة كقولك : «لا رجل حاضرا» ولم يجيزوا «لا الرجل حاضرا» كما يقال : «ليس الرجل حاضرا» ، وعلّلوا هذا بأنّ (لا) ضعيفة في باب العمل ، لأنّها إنّما تعمل بحكم الشّبه لا بحكم الأصل في العمل ، والنّكرة ضعيفة جدّا فلذلك لا يعمل العامل الضّعيف إلّا في النّكرات كقولك : «عشرون رجلا» و «لي مثله فرسا» و «زيد أحسنهم أدبا» ، فلمّا كانت (لا) أضعف العاملين ، والنّكرة أضعف المعمولين خصّوا الأضعف بالأضعف. وجاء في شعر أبي الطيّب أحمد بن الحسين إعمال (لا) في المعرفة في قوله : [الطويل]
٧٣٢ ـ إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى |
|
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا |
__________________
(١) الجروة : النفس. والكذوب والكذوبة : من أسماء النفس.
(٢) الصاب : الشجر المر. والمقر : شجر مرّ ، أو السمّ.
(٣) انظر أمالي ابن الشجري (١ / ٢٨١).
٧٣٢ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (٤ / ٤١٩) ، وتخليص الشواهد (ص ٢٩٩) ، والجنى الداني ـ ـ (ص ٢٩٤) ، وشرح التصريح (١ / ١٩٩) ، وشرح شذور الذهب (ص ٢٥٧) ، وشرح قطر الندى (ص ١٤٥) ، وبلا نسبة في مغني اللبيب (١ / ٢٤٠).