مجراه في لحاق العلامات ، فلحاق العلامات ممّا يقوّي شبه الفعل ، وقد ذكره جماعة من النحويّين في علّة عمل اسم الفاعل وإن سلّم أنّ ذلك يقوّي شبهه بالفعل ، فهو الفعل الجامد الذي هو ضعيف غير متصرّف ؛ شبّه بالأسماء بدليل مسألة «إنّ زيدا لنعم الرّجل» و (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] ، فإنّها المخفّفة من الثقيلة بدليل : (وَأَنَّ سَعْيَهُ) [النجم : ٤٠] إلى غير هذا من المسائل.
وما حال ضعيف تعلّق بضعيف؟
ووجّه الشيخ أبو عمرو القياس بأنّ اسمي الفاعل والمفعول والصّفة المشبّهة باسم الفاعل إنّما عملت لشبهها بفعل وجد بمعناها وهو يفعل ويفعل وفعل ، و (أفعل) لم يوجد فعل بمعناه : أي يدلّ على الزّيادة. واعترض عليه : أوّلا : بأنّ الصّفة دالّة على الثبوت ، ولا فعل إلّا وهو دالّ على الحدوث وفي أفعال الغرائز ودلالتها على الحدوث أو الثبوت بحث. وأمّا أمثلة المبالغة فنائبة عن فاعل ، أو فعلها (فعّل) أو فعلها (فعل) المجرّد من أداة الكثرة فإنّه وإن لم يوضع لها لا ينافيها.
وثانيا : أن لا فعل بمعناه ، وهو فعل التعجّب ولو زاد قيد «التّصرّف» لخرج. على أنّ لقائل أن يقول : ليس أفعل في التعجّب موضوعا لذلك.
ومسألة الكحل لقّبت بذلك لأنّ سيبويه مثّلها ب «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في غيره» (١) وبسط الكلام في مثال الكحل وبغير ذلك من الأمثلة ما لم يبسطه في غيره ، ولكثرة الأمثلة في مثال الكحل.
وقد ضبطها الإمام جمال الدّين أبو عمرو بما إذا كان (أفعل) لشيء وهو في المعنى لمسبّب مفضّل باعتبار الأوّل على نفسه باعتبار غيره منفيّا ، أي صفة لشيء وهو في المعنى لمتعلّق به مفضّل وهو الكحل. وقيل : لمسبّب أي لمجعول سببا. وقيل : الأفضل بالحقيقة للعين وهي سبب الكحل في التّفضيل ولهذا ألزمت باعتبار وقوعه في الأوّل وهو ذلك الشيء الموصوف على نفس الكحل باعتبار وقوعه في غير ذلك الموصوف ، والتفضيل انعكس لأجل النّفي. والإمام جمال الدين بن مالك حيث قال في (تسهيله) : «لا يرفع أفعل التفضيل في الأعرف ظاهرا إلّا قبل مفضول هو هو ، مذكور أو مقدّر ، وبعد ضمير مذكور أو مقدّر مفسّر بعد نفي أو شبهه بصاحب أفعل» والأعرف مخرج للغة من يرفع بها الظاهر مطلقا كما سبق ، لكن كان ينبغي أن يزيد : «أو ضميرا منفصلا» ليخرج مثل «مررت برجل أحسن منه أنت».
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).