«إلّا قبل مفضول» : المفضول أبدا هو المجرور ب (من) و (أفعل) قبله ، وإنّما أراد أن يقيّده بأنّه هو هو أي المجرور هو ذلك الظاهر الذي فرض رفع (أفعل) له ، وهو الكحل ، إذ الضمير يعود عليه. ومثال كونه مذكورا المثال السابق ، وكونه مقدّرا .. ومنه ما ذكره سيبويه من الحديث : «ما من أيّام أحبّ إلى الله فيها الصوم من عشر ذي الحجّة» (١) قيل : وحذف (إليه) أيضا. قال الخفاف : من قال : (أحبّ) حمله على لفظ الأيّام ، ومن رفع على موضعها ، والخبر محذوف أي : «في الوجود». والمرويّ في الصّحيح : «ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى الله من هذه الأيام العشر» ولا شاهد فيه.
أمّا تجويزه فمع إدخال (من) على المحلّ ك «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد» أو على ذي المحلّ : ك «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من زيد» ، أو بحذفه مع من كقوله : [البسيط]
٧٤٨ ـ ما إن رأيت كعبد الله من أحد |
|
أولى به الحمد في وجد وإعدام |
ومنه بيتا الكتاب المعزوّان لسحيم : [الطويل]
٧٤٩ ـ مررت على وادي السّباع ولا أرى |
|
كوادي السّباع حين يظلم واديا |
أقلّ به ركب أتوه تئيّة |
|
وأخوف إلّا ما وفى الله ساريا |
قال الأعلم في كتابه (تحصيل علي الذهب) : «التّقدير أقلّ به ركب أتوه منهم بوادي السّباع فجرى في الحذف مجرى الله أكبر» ـ يعني على أحد القولين ـ وقدّره في (النّكت) : أقلّ به ركب تئيّة منهم به على أنّ (به) يعود على وادي السباع لا على ما عادت عليه (به) في الأوّل ، وهو قريب من الأوّل.
وقدّره بدر الدين بن مالك : لا أرى واديا أقلّ به ركب تئية كوادي السّباع. ولم يوفّ التقدير حقّه «لأنّه حذف المفضّل عليه» وهو (منهم) العائد على الرّكب ؛ وبقي المحلّ الآخر وهو «كوادي السباع» «الذي قدره الأعلم : (به) ؛ وأوقع كوادي السباع» فإنه أراد هو المذكور في البيت فيه (ال) ؛ و (ال) من جملة الموصوف باسم التفضيل وتلخيص البيت : ولا أرى كوادي السّباع واديا أقلّ به الرّكب الآتوه تئيّة وهو المكث منهم بوادي السباع. وقال أبو جعفر بن النحاس في شرح أبيات سيبويه : «تأيّيت بالمكان ، مثل تفعّلت : تمكّثت».
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٢٩).
٧٤٩ ـ البيتان لسحيم بن وثيل في خزانة الأدب (٨ / ٣٢٧) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٨) ، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ (ص ٧٧٤).