أبوه» فلا شكّ أنّ (أفعل) فيه لا يرفع الظاهر في اللّغة المشهورة ، ولكنّ هذا القيد كان مستغنى عنه بقوله : مفضّلا على نفسه باعتبارين. وإن أراد به نفي السببيّ الذي للموصوف به تعلّق ما فليس كذلك ، بل لا بدّ من أن يكون سببا بهذا المعنى ، وهذا الذي يحمل كلام الشيخ أبي عمرو عليه. وأن يكون أجنبيّا بالمعنى الأوّل ليخرج «ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه» لكن قد قدّمنا أنّ هذا خارج من قيد آخر.
وبقي النظر فيما إذا قيل : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه كحله منه في عين زيد» ، هل هي داخلة تحت الضابط ويرفع فيها أفعل الظاهر ، ويكون الضمير في منه يعود على كحله لفظا على حدّ «عندي درهم ونصف» ، خلافا لابن الصائغ شرح كذا ، وقوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) [فاطر : ١١] وقول الشاعر : [الطويل]
٧٥٠ ـ وكلّ أناس قاربوا قيد فحلهم |
|
ونحن خلعنا قيده فهو سارب |
وعبارته والذي يظهر أنّها تدخل إلّا على رأي بدر الدين عليه.
فإن قيل : الشيخ جمال الدين أبو عمرو يشترط أن يكون لمسبّب مفضّل باعتبار الأوّل على نفسه ، وما أعيد عليه الضّمير ليس عين ذلك الكحل بل المفضول كحل عين الفاضل ، ولذا شرط الشيخ جمال الدّين بن مالك قبل مفضول هو هو.
قلت : المسوّغ لعود الضمير يصيّره كأنّه هو ، وهذا المعنى لا بدّ من اعتباره في نفس المثال المجمع عليه ، فإنّ الكحل المنفيّ فضله في عين (رجل) غير الكحل المفضول ، وهذا هو الذي سوّغ تعدّي (أفعل) الرافع للكحل هنا إلى ضميره المجرور ب (من) في قولك : (منه). ولا يجوز «مرّ زيد به» قال الصفّار في (شرح الكتاب) بعد تقرير هذه المسألة : وبقي فيها إشكال أثاره صاحبنا أبو الحسن بن عصفور وفّقه الله تعالى ، وهو أنّهم قد منعوا «مرّ زيد به» وانفصل عن هذا بأنّه عائد على الكحل لفظا لا معنى لأنّ الكحل الذي في عين زيد ليس منتقلا لمعنى آخر فهو من باب : [الطويل]
أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم |
|
[ونحن خلعنا قيده فهو سارب] |
__________________
٧٥٠ ـ الشاهد للأخنس بن شهاب التغلبي في شعراء النصرانية (ص ١٨٧) ، ولسان العرب (سرب) ، وتاج العروس (سرب) ، وتهذيب اللغة (١٢ / ٤١٤) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٠٩) ، والتنبيه والإيضاح (١ / ٩٤) ، وبلا نسبة في لسان العرب (خلع) ، وكتاب العين (١ / ١١٨) ، وتاج العروس (خلع).