٥٩٣ ـ أفيضوا علينا من الماء فيضا |
|
فنحن عطاش وأنتم ورود |
فقرأ عليه قراءة تحقيق وإتقان وتدقيق ، فلمّا كشف له الوالد الغطاء ظهر له أنّ كلامك كان كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، فجاء إليك وأفرغ في صماخيك ، وأقرّ عينيك ، فكان الواجب عليك أن تقول : صاحبه كذا على ما فهمته من بعض تلامذته ، لئلّا يكون انتحالا ، فإنّ ذلك خيانة ، والله لا يحب الخائنين ، فإن كابرت وجعلتني من المدّعين فقل : فأت بآية إن كنت من الصادقين فقلت : أمّا بالنسبة إلى الآخرة فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم ، وأمّا بالنسبة إلى الدّنيا ففضلاء التّبريزيين ، فإنهم عالمون بالحال عارفون بالأمر على هذا المنوال ، ولهذا ما وسعك أن تكتب هذه الهذيانات وأنت في تبريز مخافة أن تصير هزأة للساخرين وضحكة للناظرين ، بل لمّا انتقلت إلى أهل بلد لا يدرون ما الصحيح تكلّمت بكلّ قبيح ، لكن وقعت فيما خفت منه.
وأمّا قولك : «ثالثا : لا نسلّم تحقّق أحد الأمرين حقيقة إلى آخر ما قلتم» فكله مخالف للظاهر ، والأصل عدمه ، وتحقيق الجواب فيه يظهر ممّا أذكره في آخر الجواب الرابع.
وأمّا قولك : «رابعا : إنّ أو هذه أهي الإضرابيّة؟ أفهذا باعك في الوجوه الإعرابية؟» فنقول : أولا : لا شك أنّك عند تسطير هذا السؤال ما خطر لك هذا بالبال بل لمّا اعترض عليك تمحّلت هذا بالقال ، وثانيا : المثال الذي ذكرته غير مطابق لكلامك ، لو فرضنا أنّه من كلام الفصحاء ، وثالثا : أنّه لا يستقيم أن تكون «أو» في كلامك للإضراب لفوات شرطه ، فإنّ إمام هذا الفن سيبويه إنّما أجاز أو الإضرابية بشرطين : أحدهما : تقدّم نفي أو نهي. والثاني : إعادة العامل ، نحو : ما قام زيد أو ما قام عمر ، ولا يقم زيد أو لا يقم عمر ، ونقله عنه ابن عصفور ، هكذا مذكور في (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) ، ثم قال مصنفه ابن هشام المصري (١) : «وممّا يؤيّد نقل ابن عصفور أنّ سيبويه قال (٢) في : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] : ولو قلت : أو لا تطع كفورا انقلب المعنى ، يعني أنّه يصير إضرابا عن النهي الأول ونهيا عن الثاني فقط. انتهى.
فلا يمكن حمل أو في كلامك على الإضراب ، فظهر من القصير باعه في علم
__________________
(١) انظر مغني اللبيب (ص ٦٧).
(٢) انظر الكتاب (٣ / ٢٠٨ ، ٢١٣).