وأن يكون مقطوعا ، وعلى التّبعيّة فهو نعت لا بدل إلّا إذا تعذّر كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) [الهمزة : ١ ـ ٢] لامتناع وصف النّكرة بالمعرفة. ولا يجوز أن يكون نعتا للصّفة السّابقة وهو أفعل التّفضيل في قوله : (خَيْراً مِنْكُنَّ ،) لأنّ نصوص النحاة ـ على أنّ الصفة التي تنعت وينعت بها المشتقّات من أسماء الفاعلين وأسماء المفعولين ـ تمنع ذلك ، لأنّ خيرا ليس من أسماء الفاعلين ولا المفعولين ، فيقع نعتا ولا ينعت ـ ولا يحسن أن يكون حالا من أزواج ، وإن كان نكرة تخصّص بالوصف ، لأنّ الحمل على الوصف أولى من الحمل على الحال. ولا يجوز أن يكون حالا من الضّمير وامتناعه أوضح من أن يذكر لأنّ صاحب الحال المضمر ، وهو المتبدّل بهنّ ، والحال إنّما هو للمتبدّلات فبطل هذا. وقوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠] إن شئنا جعلناه من هذا.
والذي أقوله : أنّ الوصف بكليهما وارد في القرآن والسّنّة فمن الجمع في السّنّة قوله عليه الصّلاة والسّلام : «نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات» (١) لأنّ النساء والنّسوان والنّسوة جمع المرأة من غير لفظها ، كالقوم في جمع المرء. وإن جعلته اسم جمع خرج عن هذا الباب. ولكن الأكثر الإفراد. والله تعالى يمنحنا وإيّاكم مزيد الإمداد.
فكتب له والده رحمه الله ما نصّه :
قد ذكرنا في الدّرس يوم الخميس (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) [الرحمن : ٧٢] وذكرنا أيضا : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠] وقلنا : (مقصورات) لا يتعيّن أن يكون صفة بل يجوز أن يكون خبرا والمعنى عليه ، فإنّ القصد الإخبار عنهنّ بأنّهنّ ملازمات لبيوتهنّ ، لسن بطوّافات. ويكون قوله : (في الخيام) نظير قولك : «زيد محبوس في المكان الفلاني» فالخبر هو قولك محبوس.
وأمّا قوله تعالى : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠] فلأنّه لمّا قال : (فيهنّ) قابله بالجمع فقال : (خيرات) ، وقال (حسان) مراعاة للفواصل التي في السّورة من أوّلها إلى آخرها. والذي قبله من غير فاصل قوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ٦٨ ـ ٦٩] وأعقب ذلك بقوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ.)
وأمّا ما في : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) [الغاشية : ١] فهو كالذي في سورة القيامة.
__________________
(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢ / ١٦٨٠) رقم (٢١٢٨) ، وابن حبان في صحيحه (١٦ / ٥٠١).